تمهــــيد معنى "الباطنية" و"الغنوصية" من المسلّم به أنه لابد من ملاحظة السياق الذي ترد فيه المصلحات لفهمها ومعرفة معانيها. ومن ذلك المصطلحات في أبواب العقائد والفرق والأديان؛ فقد يرد المصطلح في سياق يعتمد على منهج شرعي ولغوي صحيحين، وقد يكون في سياق كفر ظاهر أو دين باطل، كما أنه قد يكون في سياق توفيقي بينهما سببه اشتباه الأمر على بعض المصنفين المسلمين، كما أنه قد يرد في سياق باطني يُدلس به أهل الباطل على باطلهم أو يبررون به عقيدتهم أو يفتنون به أهل الحق. وفيما يلي بيان لمعنى "الباطنية" و"الغنوصية" مأخوذ من سياقات متنوعة لتوضيح معناها وفهم منهجها .
أولا: معنى الباطنية ( Esoteric)
"الباطنية" في اللغة من بطنت الأمر إذا عرفت باطنه، و"الباطني" تطلق على الرجل الذي يكتم اعتقاده فلا يظهره إلا لمن يثق به، وقيل "الباطني": هو المختص بمعرفة أسرار الأشياء وخواصها، وقيل هو الذي يحكم بأن لكل شيء ظاهرٌ وباطنٌ، ولكل تنـزيل تأويل.
والباطن هو الخافي، ويقصد بالعلم الباطن – عند أهله- معرفة الأسرار والخفيات كـ"علم الجفر"، أو "علم الحروف" الذي يدّعي أصحابه أنهم يعرفون به الحوادث إلى انقراض العالم، أو"القبالة" التي هي تفسير التوراة السري بالأرقام والحروف، وكعلم السحر والطلسمات وعلوم التنجيم والعرافة وغيرها([i]).
و"التأويل الباطني" هو إخراج النص عن دلالته الظاهرة لمعاني خفية لا تتجلى – بزعم أهل الباطن - إلا لخواص من الناس يتوارثون أسراراً خاصة، ويدربون أنفسهم على الغوص في خفايا النصوص واستخراج أسرارها من خلال خصائص روحانية للحروف والأعداد. وقد كان التأويل الباطني للنصوص ولا يزال أحد الوسائل الرئيسة التي تتخذها الحركات الباطنية لإيهام عامة المسلمين بأن العقائد الباطنية وفلسفاتها أو تطبيقاتها صحيحة ونافعة وأنها متفقة مع نصوص الكتاب والسنة وتاريخ الأمة([ii])، يقول الغزالي(ت.505هـ) : " إن الباطنية إنما لقبوا بها لدعواهم أن لظواهر القرآن والأخبار بواطن تجري مجرى اللب من القشر، وأنها بصورها توهم عند الجهال الأغبياء صورا جلية، وهي عند العقلاء والأذكياء رموز وإشارات إلى حقائق معينة"([iii]).
ثانيا: معنى الغنوصية (Gnosticism) ([iv])
"الغنوص" gnosis)) لفظة يونانيّة الأصل، معناها المعرفة أو العرفان وخاصة في أمور الفلسفة والدين، وتدل اصطلاحًا على معرفة كشفية إشراقية تصل إلى المعارف العليا مباشرة دون استدلال أو نظر، فهي – بحسب ما يرون-إدراك حدسيّ للحقيقة الروحانيّة.
ومصطلح "الغنوصية" يدل على طريقة سرّية باطنيّة تسعى إلى معرفة الحقيقة، وتعدها غاية الحياة([v])، وطريق الخلاص فيها([vi]).
ويعتبر الغنوصيون عقيدتهم أقدم مافي الوجود من عقائد وصلت مباشرة من المطلق([vii]) إلى الإنسان، كما يعتقدون أنها تختلف عن جميع العقائد الدينية بأنها متغيرة ونسبية ودائمة التدفق لا تتوقف.
وهكذا يتضح أن الباطنية والغنوصية كلمتان لمدلول واحد، فالباطنيُّون من جميع الملل يؤمنون أن المعرفة الباطنية هي الغاية المنشودة، ويسمون الوصول إلى "الغنوص" إشراقاً، وهو حالة من التحرر من الماديات تنكشف فيها المغيبات وتتجلى الحقيقة المطلقة. وليس الوصول إلى هذه الحالة مقصورًا على أحد كالوحي للأنبياء، وإنما يمكن لأي أحد تحصيل هذا "العرفان" عن طريق ذوق خاص ومجاهدات، وتتبّع لباطن وأسرار نصوص الكتب المقدَّسة واستخلاص الحكمة السريَّة المحجوبة فيها، وكذلك أسرار التعاليم والتقاليد الخاصّة المتوارثة من الحكماء الأوائل العارفين([viii]). كما يفيد في ذلك دراسة مايسمونه كتب "الحكمة القديمة" التي تمثل عندهم تراثًا سريًّا منقولاً للمعرفة الباطنيّة، وأشهرها كتب "الفيدا" عند الهندوس، وكتاب "القبالة" Kabbalah وكتاب "زُهر" لدى باطنية اليهود، وكتاب "الجفر" لدى الرافضة([ix]).
وتتسم جميع المدارس الغنوصية في جميع الأديان بالثنائية الظاهرة أو المستترة القائلة بوجود إلهين أو إله أعلى ينتشر بأشكال الفيوضات والأقانيم. ومن أبرز مواضيع الغنوص وموارده : "القيمة الرمزية للحروف الأبجدية، وتقسيم تاريخ العالم إلى دورات تطابق الحلول الجديد، والخلاص، والأرواح، والتناسخ، وتفسير النصوص رمزيا...." ([x]).
وقد تُرجم الغنوص في سياقات باطنية أو إسلامية - بطريق الخطأ- على أنه الوحي أو الإلهام([xi]). وسُمِّي الغنوص في مذاهب التصوف والتشيع الغالي ومعتقدات القرامطة والإسماعيلية والبهرة والنصيرية والدروز والزنادقة المتأثرين بالمانوية والصابئة المندائية بـ "الغنوص الإسلامي" ([xii])! والحق أن الفرق بين الوحي والإلهام وبين الغنوص والإشراق كبير جداً يعرفه أهل العلم ويدركون خطرة مثل هذه الترجمة الخاطئة ودورها في تلبيس الحق بالباطل. وفي الموسوعة الفلسفية عُرِّفت الغنوصية بأنها فلسفة صوفية، واسم علم على المذاهب الباطنية، وأن غايتها معرفة الله بالحدس لا بالعقل، وبالوجد لا الاستدلال([xiii]). وهي كذلك حقاً إلا أن الغنوصية غايتها معرفة ما تسميه الحقيقة أو المطلق وليس (الله) تعالى. والتعبير عن المطلق أو الحقيقة بلفظ الجلالة (الله) في تعريف الغنوصية أو وصفها إنما هو خلط بين الفلسفة والدين، فالدين يجعل الوحي هو طريق معرفة الله وأسمائه لا الحدس والعقل، ويعرِّف بأن لهذا الكون موجد واحد خلقه بإرادة وحكمة وقدرة هو الله تعالى الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلا وليس مجرد مطلق كلي سابق في الوجود لكل الموجودات كما يعتقد أكثر الفلاسفة.
وقد سميت المعرفة الباطنية الغنوصية في التراث الصوفي بأسماء عدة، وعُرِّفت في سياق تلفيقي باطني بما يقربها للمسلمين ومن ذلك: "المعرفة الإشراقيّة" التي عرّفت بأنها ظهور أنوار عقليـّة تفيض على الأنفس الكاملة عن المواد الجسميّة، فهي تلقٍّ مباشر من العالم الغيـبيّ والمعرفة الإلهيّة لمن لهم رياضات روحيّة ومجاهدات نفسيّة جعلت نفوسهم تصفو من الأكدار البشريّة فتتأهل لإشراق العلوم والمعارف المنقوشة في العالم العلويّ بزعمهم([xiv]).
وسميت بـ"علم الأسرار"، أو"المعرفة السّرية" يقول ابن عربيّ ( ت.638هـ) : علم الأسرار، العالم به يعلم العلوم كلّها، ويستغرقها وليس صاحب العلوم الأخرى كذلك، فلا علم أشرف من هذا العلم المحيط، الحاوي جميع المعلومات([xv]). وهو علم فوق طور العقل، فهو نفث روح القدس في الروع يختص به النبيّ والوليّ ويحصل من طريق الإلهام([xvi]).
وسميت كذلك بـ"المعرفة اللدنيّة"، إشارة إلى ما ذكر سبحانه من شأن الخضـر u: SãHTWÞóTÙPVÕWÆWè¼ ÝYÚ †TPVßSŸPVÖ †_TÙ<ÕYÆ (65) » [الكهف:65]، فهي معرفة كالضوء من سراج الغيب يقع على القلب الصافي([xvii]).
وسميت "علم الحقيقة" ([xviii])عند غلاة الصوفية الذين قسّموا العلوم إلى علم شريعة وعلم حقيقة، فجعلوا الشريعة التزام العبوديّة، والحقيقة مشاهدة الربوبيّة([xix])، ومن يصل إلى الحقيقة- عندهم- لا يتقيّد بأمر الشارع ونهيه مما جاء عن طريق الرسول، وإنما يتّبع ما يكشف له ويذوقه ويجده ونحو ذلك([xx]).
فالمعرفة الباطنيّة والغنوصية بمختلف الأسماء الدالة عليها هي – عند معتقديها- طريقة وصول للحقيقة القطعيّة للغيب تتجاوز جميع الطرق الأخرى قدرًا وسعة؛ فهي تتناول حقائق لا يتوصل إليها بالعقل ولا النقل، كما أنها طريقة متاحة لكل الناس بشرط قدرتهم على التحرُّر من تأثير الحسّ والعقل اللذين يحجبان الإنسان عن السموّ إليها . ويتم تحصيل هذه القدرة عن طريق رياضات وجوع وسهر وتصفية وفناء ومقامات وأحوال، فعندها تحدث المعارج الروحيّة والتجليـَّات النورانيـّة التي يزعمون! بناء على أصلهم الفاسد وهو أن النفوس إذا صفت اتصلت بالمطلق([xxi]). وقد أخذت الرياضات الهادفة إلى تصفية النفس والتحرر من تأثير الحس والعقل في العصر الجديد أشكالا جديدة كالتنويم الإيحائي والمغناطيسي وممارسات التأمل الارتقائي والتنفس العميق وغيرها .
ومن المهم التأكيد على أن وصف الفرق القديمة من القرامطة والاسماعيلية وغيرهم بالغنوصية والباطنية هو لبيان أصولهم الفلسفية ومنهجهم في المعرفة لكنه أبدا ليس لحصر الباطنية فيها فالفكر الباطني الغنوصي يتلون ويتجدد كل عصر ليخرج للعالم فرقاً جديدة، أو يكوّن مذهباً، أو يشكل حركة.
المبحث الأول: نشأة الحركة وجذورها التاريخية *الجذور الفلسفية للحركة :
تعود جذور فكر الحركة إلى منابع الفكر الباطني البعيد عن نور الوحي والمتمثل في عقائد الديانات الشرقية من الهندوسية والطاوية والبوذية وفي بعض فلسفات الإغريق والفراعنة. ذلك الفكر الذي سبق وأن تغلغل في العقائد السماوية وأفسد جوهر التوحيد عند من تأثروا به. وتمثّل بوضوح في الطوائف الغنوصية في الديانة النصرانية، وطوائف القبالة في اليهودية.
وتستَّر بثوب الإسلام في نهاية القرن ( الأول الهجري/السابع الميلادي) وبشكل أقوى في (القرن الثاني الهجري/الثامن الميلادي) مع تزايد الداخلين في الإسلام وبتأثير الترجمة المضللة لمفاهيم الفلسفة الإغريقية التي لفقت بين العقيدة الصحيحة والفلسفة الضالة فنشأت كثير من الفرق الغنوصية في صورة مذاهب التصوف والتشيع الغالي والقرامطة والإسماعيلية والزنادقة المتأثرين بالمانوية والصابئة المندائية([i]).
ولئن كانت جذور فكر الحركة تعود إلى تلك الجذور البعيدة، إلا أن نشأتها باعتبارها حركة معاصرة يعود إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي عندما تبنى عدد من مفكري الغرب الفكر الباطني كخروج على الفكر النصراني، ومحاولة لتفسير طبيعة الإنسان والخلاص بطريقة أخرى تركز على "الغنوص والحكمة" كنموذج للخلاص الفردي بدلا من انتظار مخلص كوني مبعوث من مصدر خارجي. وقد تكوّن بتأثير هؤلاء المفكرين أربع حركات دينية متزامنة تبنت الأصول الفلسفية الباطنية بأشكال مختلفة وأسهمت فيما بعد في تكوين فكر ومنهج حركة العصر الجديد ، وفيما يلي تعريف بهذه الحركات:
1. حركة " الفلسفة المتعالية " Transcendentalism: وتُعد أول حركة فكرية في أمريكا الشمالية تتأثر بالديانات الشرقية وتعتمد على ترجمات الكتب الهندوسية المقدسة، وتبنت أربع فلسفات أساسية هي : أن العلاقة بين الإله والإنسان والكون هي علاقة وحدة الوجود، وأن المعرفة الحدسية الداخلية التي تأتي من وراء نطاق عمليات الفكر والحواس الخمس والقوى العقلية عن طريق (العرفان الغنوصي) والإلهام المباشر مقدسة لكونها فيض من العقل المقدس، وأن للإنسان قدرات كامنة غير محدودة، تمكنه من التعامل مع العالم الميتافيزيقي الغيبي بلا حدود. وأن التناغم مع الطبيعة([ii]) هو طريقة الحياة الفضلى .
بدأت بوادر الحركة بين طوائف "الموحدين"([iii]) Unitarian في الولايات المتحدة الخارجين عن الكنيسة النصرانية التقليدية، وكان"رالف إمرسون" Ralph Emerson (1803 -1882م ) هو الشخصية القيادية لهذه الفلسفة التي أصبحت حركة فلسفية أدبية، ودينية اجتماعية معًا وبلغت ذروة انتشارها في الأربعينيات من القرن التاسع عشر الميلادي([iv]).
2. حركة "الفكر الجديد" نيو-ثوت New Thought: التي ظهرت على يد فينياس كويمبي phineas Quimby (1803-1866م) كامتداد لفلسفة فرانز مزمر mesmer (1734_1815م) الطبيب الألماني النمساوي الذي اشتهر بأنواع من العلاج الروحي الجماعي الذي يؤدي إلى حالات وعي مغيّرة، تظهر فيها قدرة فوق عادية له ولمرضاه كالتخاطب مع الأرواح، ومعرفة أحداث ماضية ومستقبلية، ويقوم علاج مزمر على التنويم والمغناطيس في محاولة منه لإعطاء تفسير علمي لما يحدث مبني على ما يؤمن به من "الطاقة الحيوية"([v]) life Energy Force التي يرى أنها المسببة للشفاء والسعادة، والتي عرفها بأنها: سائل لطيف غير مرئي نافذ عبر الكون، تتفاعل بواسطته جميع الأجسام الأرضية والسماوية، وأنه يمكن توجيهه والتأثير عليه بطرق خاصة. وأن تدفق هذه الطاقة في الجسم يولد الصحة والحيوية بينما يؤدي تعثر انسيابها إلى المرض والخمول. وقد تبين للعلماء أن ما يقوله مزمر مجرد ادعاءات لم يثبتها العلم، ويشوبها كثير من الدجل، وأنها مستقاة من إيمانه بالفلسفة الشرقية([vi]).
وقد مزج فيناس مؤسس حركة "الفكر الجديد" بين ممارسات مزمر وأفكاره وبين الفلسفة المثالية التي تعتبر العقل والفكر أصل الحقيقة وهو سر([vii]) القوة المسببة وراء الكائنات المادية والأحداث والظروف، وكوّن من ذلك أصول حركة "الفكر الجديد" التي انتشرت كحركة اجتماعية، وأنشأت فيما بعد العديد من المراكز والمعابد وبعضها تحت اسم الكنائس ([viii]).
3. حركة الأرواحية Spiritualism: في القرن الثامن عشر الميلادي ظهر عالم الجيولوجيا والمعادن السويدي إيمانويل سويدن بورغ Swedenborg ( 1688_1772م) الذي اهتم بالتعامل مع الأرواح – بحسب السياق الباطني- وحاول تفسير الغيبيات كالموت والجنة والنار والروح وغيرها تفسيرًا يجمع بين الدين والعلم حسب ادعائه. وقال أن نصوص الكتاب المقدس عند اليهود والنصارى تمثّل رموزاً وإشارات تدل على باطن تجلى له عن طريق عرفان خاص فاض عليه أثناء تأملاته واتصاله بالأرواح! وادعى سويدن بورغ أن الإله اختاره ليشرح للعالم هذه المعاني الروحية الباطنية لظاهر الكتاب المقدس.
وكانت أبرز أفكار بورغ وكتاباته تؤكد على أهمية التعامل مع الأرواح ومخاطبتها لمعرفة الحقيقة المغيبة، وتبين نظرته وتفسيره للحقائق الغيبية بطريقته الباطنية ومن ذلك تفسيره للجنة والنار على أنها حالات وعي ذهنية يمكن الوصول إليها من خلال "السفر خارج الجسد" وحالات "التأمل الروحاني" ([ix])وغيرها.
هذا وقد انتشرت أفكار سويدن بورغ في كل أوربا نظرًا لمكانته الاجتماعية عند حكام السويد، ثم انتشرت في أمريكا في القرن التاسع عشر الميلادي حيث كثرت ممارسات استحضار الأرواح والاستعانة بها عن طريق الكتابة لها ومخاطبتها أوالدق الرتيب الذي يستعان به في التنويم المغناطيسي([x]). إلا أن حركة الأرواحية فقدت صيتها في جانب الممارسة بعد أن تم في أكثر من موقف كشف زيف ممارسات الأرواحيين للعامة وتنبيههم أنها مجرد خداع للبسطاء([xi]).
4. جمعية"الثيوصوفي"Theosophy : وهي جمعية أسستها هلينا بلافاتسكي Blavatsky (1831- 1891م ) في نيويورك بأمريكا الشمالية بثلاثة أهداف معلنة :
1. اكتشاف القوانين التي تحكم الكون والقوى الكامنة في الإنسان([xii]).
2.الدعوة إلى الأخوة الكونية بتناغم الإنسان مع الكون([xiii]).
3.دراسة الأديان القديمة والحديثة والفلسفة والعلوم دراسة مقارنة.
وأصل كلمة الثيوصوفية Theosophy مأخوذ من الكلمتين اليونانيتين ثيوس theos بمعنى "إله"، وصوفي sophy بمعنى الحكمة، فالكلمة بمجملها تعني: حكمة الآلهة أو الحكمة الإلهية([xiv])، وقد كانت كلمة sophy تطلق عند اليونان على مذهب يؤمن أتباعه بوحدة الوجود ويرونها الحقيقة المجردة([xv]).
وقد أكدت بلافاتسكي في تصريحاتها وكتاباتها على وحدة الأديان جميعها في الجوهر والغاية، ونظرت إليها بوصفها نتفًا مختلفة الأشكال والألوان من نور الحقيقة الإلهية الواحدة "وشبَّهتْ الثيوصوفيا بالشعاع الأبيض للضوء وكلَّ دين له لون من ألوان الطيف الستة لذلك هنالك أديان عديدة حقًّا، لكن الدين الشامل واحد أبدًا: إنه "دين الحكمة"([xvi]) Wisdom Religion الذي يدعى في الأدبيات الثيوصوفية بـ"الفلسفة الباطنية" Esoteric Philosophy."([xvii]) فأصل الدين في الفكر الثيوصوفي واحد هو "الحكمة الغنوصية" ، أما الإسلام واليهودية والنصرانية فتُعد عندهم ألواناً محرّفة بحسن نية من الأنبياء الحكماء رغبة في تبسيط الحكمة للعامة الذين لابد من ترقيتهم تدريجياً ليفهموا الحقيقة الواحدة ويتركوا ظاهر الأديان المختلفة .
كما أكدت بلافاتسكي أن الجمعية تسعى إلى تدريب الناس على طرق الوصول إلى العرفان (الغنوص) لهدف تعريفهم بدين الحكمة. وأكدت أنها نذرت نفسها لهذا الهدف لأنها وصلت شخصيًا مع مرشديها "أسياد الأخوية البيضاء العالمية"([xviii]) إلى هذا العرفان!
وقد تأسست جمعية الثيوصوفي على أصول فكر ومعتقدات الديانات الشرقية وبخاصة الهندوسية باعتبارها منبعا للفكر الباطني القديم، كما طوّعت لخدمة ذلك ما تؤمن به بعض النظريات العلمية كنظرية دارون التي بنت عليها بلافاتسكي نظرية في تطور الروح.
وقد كانت التعاليم الثيوصوفية تعتبر تعاليمَ سرية لا يجوز تسريبها لعامة الناس إلا أن بلافاتسكي تجرأت وأسست جمعيتها لإعلان هذه الأسرار، وتعليم العالم الغربي أن الخلاص إنما هو في الغنوص والاستنارة لا في انتظار المخلص أو الإيمان بإله ذو ذات.
ولقناعة جمعية الثيوصوفي بفكرهم وتصريحهم برغبتهم في تخليص المجتمع الأمريكي من إسار المعتقدات غير العقلانية([xix]) تصدت لهم الكنيسة وواجههم النصارى المتدينون بقوة، مما أدى لخفوت دعواتهم في وسط عامة الناس مع استمرارهم في عرض أفكارهم عن طريق الكتب والدوريات والبرامج المتنوعة.
وقد مهدت هذه الحركات الباطنية الأربعة بمعتقداتها وممارساتها ومطبوعاتها لظهور حركات أخرى تتبنى نفس الفكر بطرق جديدة فظهرت بوادر حركة "النيو-إييج" التي تعتبر آخر وأكبر الحركات الغربية الروحانية التي ظهرت كعلاج لأجيال التيه([xx]) داعية إلى الممارسات الباطنية المتأثرة بالشرق ([xxi]) .
فحركة العصر الجديد بعيدة الجذور متصلة بمنابع الفكر الباطني في جميع الديانات والفلسفات الباطلة، وهي حديثة معاصرة باعتبار نشاطها المؤسسي وبرامجها وأساليبها التي تطرح خلالها الفكر الباطني المستمد من الطوائف الباطنية
والديانات المختلفة في قوالب عصرية جديدة. وقد اتضح هذا للدارسين لفكر الحركة في الغرب، فهذا "الفاتيكان" يصدر وثيقة تحذر من أفكار حركة العصر الجديد، ويؤكد على أن الحركة ليست جديدة، وأن لها جذوراً في الحركات الباطنية القديمة كالغنوصية والقبالة والبوذية واليوغا وغيرها ([xxii]).
نشأة الحركة :
في الستينات الميلادية من القرن العشرين تكونت نواة الحركة في معهد "إيسالن" Esalen ([xxiii]) بأمريكا الشمالية الذي يحتضن الفكر الغنوصي الباطني، ويتبنى البحث في قوى الإنسان الكامنة وتتتبع العقائد والفلسفات التي تؤمن بضرورة تحرير هذه القوى من إسار المعتقدات الدينية "غير العقلانية" بتعبيرهم([xxiv])، وسعى المعهد على نشر الفكر الروحاني spirtituality كبديل عن الدين Religion بين العامة والخاصة، بطرق متنوعة ومعاصرة وجماهيرية وتطبيقية ومباشرة ([xxv]).وظهرت حركة "القدرة البشرية الكامنة" (Human Potential Movement) بريادة كارلوس كاستنيدا Carlos Castaneda (1925-1998م) ومؤسسي المعهد ، وكرست اهتمامها على البحث في هذا المجال وتتبع الدراسات والممارسات التي تخدم هذا التوجه . وقد كانت هذه الحركة وراء توسع التوجه البحثي المعاصر في الغرب عن المؤثرات الغيبية الميتافيزيقية (الماورائية) للأداء البشري بنظرة روحانية ملحدة تُغفل ما تخبر عنه الأديان السماوية عن عالم الغيب ومخلوقاته، وتعتمد على التراث الغنوصي القائم على فلسفات الديانات الشرقية وكتبها المقدسة؛ بحيث لا يمكن فهم فلسفة ورؤية كثير من الغربيين للحياة إلا بمعرفة مقومات الديانات الشرقية([xxvi]). وقد أجريت في معهد إيسالن أكثر من عشرة آلاف دراسة للتقنيات والممارسات والفرضيات في القدرات الكامنة في فترة الأربعين سنة الماضية ([xxvii])اعتمدت على تفسير الظواهر والمشاهدات بناء على المبادئ الغنوصية في الديانات الشرقية.
وهكذا فقد شكّل الفكر الروحاني الباطني أكبر امتداد فكري في الغرب في العصر الحديث، وساهم في نشأة الطوائف الروحانية المتأثرة بالشرق بسبب عدة أسباب؛ من أهمها أن الديانات الشرقية قدمت للإنسان الغربي روحانية خالية من أي التزامات أخلاقية أو شرعية، وهي ما كان الغرب ينشده نظراً للجفاف الروحي في الديانات المحرفة، وعدم رغبة الغربيين بالتقيد بأية حدود أخلاقية لاعتيادهم على حرية مطلقة لشهواتهم . إضافة إلى رغبة كثير من الغربيين في التعرف على طرق بديلة للتلاعب بالوعي بدون تعاطي العقاقير بعد أن عرفوا أضرار المخدرات التي يدمنون عليها، وهو ما تدّعي الروحانيات الشرقية تقديمه عبر طرقها الباطنية الرامية للوصول إلى حالات متغيرة من الوعي يفقد معها الإنسان وعيه وإحساسه بالحزن أو الألم. هذا ما دلت عليه الإحصاءات حيث أن 96,4 ٪ ممن ينتمون إلى الطوائف الروحانية المتأثرة بالديانات الشرقية سبق لهم استخدام المخدرات قبل انضمامهم إليها([xxviii]).
في هذه الأجواء تكونت بذرة حركة العصر الجديد عندما تبنت طائفة جديدة في المعهد نشر الفكر الروحاني وتطبيقاته تسمت فيما بعد New Age Movement، ولم تبرز الحركة كدين أو فكر جديد، وإنما ظهرت في صورة طائفة تدعو للروحانيات من أجل الحب والسلام والإيجابية. ولم تقدِّم الحركة ببرامجها جديدًا، وإنما عمدت إلى بعث مجموعة من طقوس الأديان الشرقية واعتقاداتها، وجددت قوالب تقديمها للناس وابتكرت طرقاً متنوعة لتسويقها ونشرها.
وقد اعتُبِرت حركة العصر الجديد حركة تجديدية منبثقة مباشرة عن حركتي الثيوصوفي Theosophy وحركة الفكر الجديد New Thought ([xxix]) ، وكان من أهم ما يميزها أنها ترى أن عصر التلقي من مصدر خارجي (الله) والتطبيق لأوامر خارجية (الدين) قد انتهى، وأن العصر الجديد يستطيع الإنسان فيه مع الطبيعة والعقل والقدرات غير المحدودة له أن يصنع حياته ومستقبله كما يريد فيكون هو الإله لنفسه ! ويؤكد رواد الحركة أن برامج حركة "العصر الجديد" تضمن إشراك الإنسانية جمعاء في فكر واحد وممارسات واحدة دون تمايز بينهم بسبب تنوع أديانهم ، ذلك التمايز الذي لم يسبب على مدى العصور السابقة – بزعمهم – إلا الحروب والكراهية .
وهكذا سعت حركة العصر الجديد الباطنية لنشر الفكر الغنوصي القديم، ولكن دون مصادمة للفكر الديني أو مواجهة له كما فعلت جمعية الثيوصوفي في السابق، وإنما بمداهنة الدين ومزاحمته على طريقة الباطنية القديمة([xxx])، لذلك لا يُهتم في سائر برامج الحركة وأدبياتها بما يوجد أو يبقى في أذهان الناس من معتقدات الديانات السماوية وغيرها، بل قد يوافق رواد الحركة ويستحسنون ما يظهره الناس خلال البرامج التدريبية من عقائدهم وأديانهم! وينصب اهتمام رواد الحركة فقط على ما يضاف إلى العقول من أفكار ومفاهيم وفلسفات جديدة لقناعتهم بأن منهجهم الجديد بتقنياته وبرامجه المؤثرة مع الزمن كفيلان بترسيخ المفاهيم الغنوصية الجديدة وتلاشي المفاهيم الدينية القديمة([xxxi]). وقد سعى مفكرو المعهد لجمع شتات الفكر الباطني من غنوصية النصارى وقبالة اليهود وباطنية الفلاسفة والمتصوفة من المسلمين، ودمجوا معها ممارسات أديان الشرق من بوذية وهندوسية وطاوية وغيرها لهدف التحرر من الانتماء والمشابهة لدين محدد، وبغية تقديم برامج تناسب جميع الثقافات ويمارسها أتباع جميع الديانات . وأنتج المعهد قوالب جديدة لنشر الفكر وتطبيقاته كممارسات يومية في مختلف جوانب الحياة .
إذاً في معهد إيسالن تكونت بذرة حركة "النيو-إييج"ووضعت اللبنات الأولى لطرق نشر فكرها؛ فصُممت عشرات البرامج والتدريبات الحيوية،وجُمعت عشرات الممارسات الحيوية والاستشفائية الروحانية التي تتنوع لتلبي اتجاهات الناس المتنوعة فتضمن بذلك انتشاراً واسعاً. وانتشر حملة الفكر الباطني الجدد (النيو-إييج) في أنحاء أمريكا لنشر فكرهم في قوالب تدريبية تجعل الفكرة منهج حياة، وتترجم المبادئ إلى أعمال وممارسات. وتكّونت لنشر هذه التدريبات والدورات والأفكار وترويجها عشرات المؤسسات الخاصة داخل وخارج أمريكا من أشهرها مؤسسة "فايند هورن" ببريطانيا([xxxii]).
والخلاصة إن حركة العصر الجديد هي نشاط مؤسسي معاصر تبنى نشر الفكر الغنوصي القديم كسائر الحركات والطوائف الباطنية([xxxiii])، فالفلسفة اليونانية والفلسفات الشرقية والغنوصية هي أساس فكر الحركة ومعتقداتها وتصوراتها للوجود والكون والحياة والإنسان والعلاقة بينهم، كما أنها تعتمد الحدس وحالات الوعي المغيرة طريقاً لمعرفة الحقائق المغيبة. وهي كذلك تسعى لنشر الفلسفة الباطنية ومنهج العرفان الباطني بين عوام الناس بطرق حديثة تناسب توجّهات الناس ورغباتهم في العصر الحديث؛ فتُقدَّم لهم تحت شعارات الصحة والسعادة والإيجابية والتغيير ونحوها، وتحت مظلات البرامج التدريبية والعلاجية والتنموية.
المبحث الثاني/ أهم المبادئ والمعتقدات:
حركة العصر الجديد -كما سبق بيانه- هي امتداد للتيار الباطني، والعقائد الباطنية بعامة ترتكز على الإيمان بقابلية الإنسان للتألّه لاعتقادهم بأن الألوهية هي الكمال المطلق أو (الاستنارة)، وهي مرتبة يصلها الإنسان بمجاهدات معينة.
وتتلون هذه العقيدة وتتنوع طرق التعبير عنها بحسب المكان والزمان الذي تظهر فيه لتناسب الاعتقاد بوجود إله حق تدل عليه الفطرة والعقل الصحيح، والاعتقاد بوجود (الله) الذي يدل عليه النقل الصريح، فتظهر في شكل عقيدة "وحدة الوجود" التي تفُسَّر على أنها المعنى الحقيقي للتوحيد الذي جاءت به الرسالات، وتظهر في قالب "الحلول والاتحاد" على أنها طريق الوصول للاستنارة والعرفان الإشراقي (الغنوص) الذي هو غاية الحياة في الفلسفة الباطنية، قال ابن تيمية (ت.728هـ) عن الفلاسفة الباطنيين:"يظنون أن كمال النفس في مجرد العلم، ويجعلون العلم الذي به تكمل النفوس مايعرفون هم من علم مابعد الطبيعة"([i])
ومن خلال ملاحظة برامج الحركة وفحص أدبياتها أن إيصال الناس إلى الغنوص الإشراق والعرفان الباطني هو غاية مرادها لأنه الطريق إلى تبني مجموعة المبادئ والمعتقدات التي تتبناها الحركة وتحرص على نشرها وتسريبها للناس خلال برامجها وأدبياتها والتي تتلخص في العقائد التالية :
· الاعتقاد بأن الكل واحد، فكل شيء هو الإله والإله هو كل شيء.
· الاعتقاد بأن الإنسان هو الإله أو جزء من الإله على اختلاف التصورات الضالة لديهم عن الإله وحقيقته وأسمائه :المطلق أوالكلي أو الوعي الكلي أوالعقل الكلي أوالطاو أو القوة العظمى وغيرها.
· الإنسان لا يموت وإنما يستمر في الحياة (الدهرية) من خلال التقمص والتناسخ.
· الإنسان يخلق واقعه الخاص وقيمه ومعتقداته ويحقق مراده خلال حالات الوعي المغيرة التي يدخل فيها([ii]).
وهذه المبادئ والعقائد هي أجزاء أو صور متنوعة مأخوذة من عقائد الضلال والكفر المعروفة بزيفها وباطلها عند أهل الإسلام ، وهي :
عقيدة وحدة الوجود:
أو مايسمى بعقيدة "تأليه الطبيعة"أو "تأليه الوجود"، ومفادها الاعتقاد بأن الوجود شيء واحد (كلي واحد) سواء كان "عقلا كلياً" أو "وعياً كاملا" أو "طاقة كونية" أو"قوة عظمى" وأن كل ماهو موجود إنما هو انطباع لذلك الكلي، وتجلٍ له فليس في الوجود شيء غيره. وهذه العقيدة هي أصل فكر أديان الشرق الكثيرة بأسمائها المتنوعة: الطاوية والبرهمية والبوذية وغيرها. وهي العقيدة الذي تبناها كثير من فلاسفة اليونان وملاحدة الفلاسفة والطوائف الغنوصية على مر التاريخ . وهي"عقيدة وحدة الوجود" المعروفة بضلالها عند علماء المسلمين إلا أن من يتبناها من المسلمين يؤمن بالله ويجعله هو عين الوجود وكل ما سواه ليس إلا هو، تعالى الله عما يقولون علوا كبيراً([iii]).
ويعد هذا المعتقد من أبرز معتقدات حركة العصر الجديد، وهو ظاهر في معظم ممارسات الحركة وأدبياتها؛ حيث يكون الحديث عن الإله هو حديث عن الإنسان أو العكس . فلا وجود في معتقدات الحركة لإله له ذات وإرادة، بائن عن خلقه، خالق للكون ومدبر له، وإنما يفسرون كلمة "الإله" بتلك الطاقة الكونية المتغلغلة في الكون والمتحدة به. ولا فرق عندهم بين العالم والإله؛ حيث الكل هو الإله في صور وتجليات متنوعة. فالعالم والإنسان هم جزء من الإله أو تجل من تجلياته، والحديث عن فرق بين الخالق والمخلوق تعتبره الحركة ثنائية مرفوضة تنافي التوحيد الذي يعتقدونه .
عقيدة تناسخ الأرواح:
عقيدة تناسخ الأرواح هي الاعتقاد بانتقال الروح بعد الموت من بدن إلى موجود أعلى أو أدنى؛ لتنعّم أو تعذّب، ،جزاء سلوك صاحبها الذي مات بدنه فتكفّر سيئاتها وتكتسب ما يكمّلها في حياتها الجديدة. ويستمر التناسخ حتى تتطهّر النفس فتنعتق من تكرار المولد([iv]).
وأصل القول بالتناسخ مأخوذ من ملل الهند فهو عَلَم على الهندوسية والبرهمية. وتشير دراسات الباحثين إلى أنّه معتقد الطاويين وقدماء الفراعنة واليونانيِّن والفرس كذلك، وقد تسرّبت ضلالته إلى بعض اليهود والنصارى، وبعض المنتسبين إلى الإسلام([v]) لما انحرفوا عن معاني الإيمان بالغيب، ومنهج التلقي للوحي، وتأثروا بالفكر الباطني؛ إذ جميع العقائد الباطنية ترتكز على معتقدات الديانات الشرقية الباطلة. والمتابع لبرامج وأدبيات حركة العصر الجديد يلحظ بوضوح تغلغل هذه العقيدة،بل لا يمكن فهم فلسفة الحركة إلا بمعرفة معتقد تناسخ الأرواح الذي يظهر بشكل جلي في كثير من الممارسات والأساليب العلاجية التي تنتجها الحركة أو تتبناها الحركة ([vi]).
الإلحاد والكفر بالله: الكفر بالله وإنكار وجوده U ومنازعته في الربوبية والاعتقاد بالنجوم وتأثيرها سعداً ونحساً وغير ذلك من أنواع الكفر تعدُّ مبادئ أساسية في فكر الحركة، وإن كان القول بها ليس ملزمًا لأتباع الحركة ولكنه النتيجة التي تقود برامج الحركة إليه في محصلتها النهائية، فحركة العصر الجديد تظهر على أنها حركة اجتماعية جماهيرية ولا تهتم بكل ما يقوله الأتباع وما يعتقدونه، وتهتم فقط بما تضيفه إلى فكرهم من قناعات، وإلى حياتهم اليومية من ممارسات تثق بأنها مع الزمن كفيلة بإعادة صياغة فكرهم وعقائدهم.
ولا حاجة للوحي في عقيدة الحركة فالإنسان هو الذي يخلق محيط حياته ويتحكم بمستقبله وصحته وسعادته عن طريق قوة عقله الباطن ([vii])، فالإنسان والإله شيء واحد- في اعتقادهم – أو يمكن أن يكونا شيئاً واحداً من خلال برامج الحركة المنتقاة التي تساعد الإنسان على اكتشاف أصله الإلهي وتنميته ليصل إلى الخلاص الحقيقي والعرفان ([viii]).
عقيدة وحدة الأديان:
وهي عقيدة رئيسة في عامة الديانات والحركات الباطنية، لأن الباطنيين يرون أن جوهر الدين واحد هو ما ينص عليه المنقول الباطني في جميع الأديان، وهو دين الحكمة ، وتؤكد الحركة في أدبياتها على أن الغيبيات الدينية :الله والملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر والقدر أمور لا تتعدى كونها تصورات ذهنية بحتة قد تفيد من يعتقد بها، إلا أنه ليس لها في الواقع حقيقة ثابتة! وإنما الرسل صلوات الله عليهم قد خاطبوا أممهم بما يسهل فهمه على العموم فضربوا لهم أمثالاً متنوعة تتناسب مع تفاوت العقول والأزمنة والأماكن أما الحقيقة فهي سر أزلي عرفه الأنبياء والحكماء فقط! والحركة اليوم تكشف هذه الأسرار وتجعل الوصول لها متاحاً لكل أحد لنضوج البشرية وعدم احتياجها للأديان الصورية التي كان الأنبياء يقنعون بها أتباعهم لمناسبتها لهم فيما مضى من الزمن! فدين الحكمة الذي تقدّمه الحركة للبشرية اليوم هو حقيقة كل الأديان- زعموا- وهو الذي يسبق جميع الأديان، وأسسه وعقائده وطقوسه موجودة متوارثة في المنقول الباطني المأخوذ من كل المذاهب والأديان في الشرق والغرب الذي سعت الحركة لجمعه من الأصول المتفرقة وصهره في بوتقة واحدة! ثم تقديمه للناس في برامج جديدة تحمل روحانيات العصر الجديد([ix])وتدرب على منهج جديد للحياة بعيد عن محدودية الأديان .
العقائد الهرمسية Hermticum:
الهرمسية هي مبادئ واعتقادات موجودة في عدة كتابات ورسائل مشكوك في مصادرها تعود إلى القرنين الثاني والثالث بعد الميلاد. وهي تعكس في مجموعها جوا من التلفيق بين المذاهب الفلسفية اليونانية والشرقية وتعاليم بعض الأديان.
وتعدّ الآراء الفلسفية الواردة في الكتابات الهرمسية خليطاً من الفلسفة الأورفية والفيثاغورية والأفلاطونية والرواقية والفيزياء الأرسطية والتنجيم الكلداني التي تكوّن في مجموعها معرفة خاصة يزعم أصحابها أنهم نطقوا بها عن وحي إشراقي، وأن هدفهم هو خلاص الإنسان. وتتضمن هذه الكتابات تقرير وجود إله على قمة الوجود، وهو لا يمكن وصفه ولا معرفته، ويفسر تارة على أنه الكون نفسه أو الإنسان، وحينا يصفونه بأنه "الأب"، كما تتضمن الكتابات التعريف بالنفس الإنسانية على أنها أرواح هبطت من الأفلاك السماوية ويمكنها التحرر والعودة إلى هناك، لا بفضل طقوس سحرية، ولا بفضل مخلّص مرسل، بل بقوة المعرفة (الغنوص) ([x]).
وتعتمد برامج حركة العصر الجديد المتنوعة كالماكروبيوتيك والهونا والفونغ شوي على كثير من هذه الآراء وتعتمد منهجها وطريقتها وفلسفتها وأسرارها لتحصيل المرغوبات المختلفة .
تعظيم الذات الإنسانية وتأليهها:
وفقًا لأصول العقائد الباطنية فحركة العصر الجديد تنظر إلى الإنسان على أنه مُوجِد، فهو الذي يخلق محيط حياته، ولا حاجة له بشيء يأتي من خارج نفسه، فباستطاعته عن طريق تعديل حالته الذهنية أن يتحكم بمستقبله، ويصنع واقعه وصحته وسعادته، ويتحكم بحياته بعد الممات، كما أنه بإمكانه -في نظرهم- أن يصل إلى الكمال المطلق! ويرجع ذلك إلى الاعتقاد بأن الإنسان يولد بشرارة إلهية، لا بد له من الكشف عنها وتنميتها ليتحقق اتحاده مع الكل([xi]). وقد مثلت هذه الفلسفة في العصر الحديث توجهًا قويًا في الغرب تكونت لدراسته وتنميته مدراس وحركات بغية الوصول إلى ما يسمونه "الإنسان الكامل" صاحب القدرات الخارقة في التأثير، ومن أشهرها حركة القدرة البشرية الكامنة Human Potential Movement وحركة الوعيconsciousness movement وتبنى نشره بين الناس عدد من الحركات الباطنية كحركة الفكر الجديد New Thought وجمعية الثيوصوفي Theosophy وأخيرًا حركة العصر الجديد New Age.
ومن المهم الذي ينبغي أن يتذكره الباحثون والمتابعون للحركات الباطنية أنها تتبنى عقائد سرية باطنية متلونة ومتناقضة أحياناً، ولا تواجه الحق في الظاهر وإنما تُظهر التوافق معه وتعتبره ظاهراً لا بأس من قبوله وتفسيره بباطن تشرحه هي وتدعو إليه، فعلى سبيل المثال يستخدم المتبنون لفكر الحركة الألفاظ والمصطلحات الدينية وأهمها مصطلح الألوهية ولفظ الجلالة (الله) ولكن على معنى أنه الإنسان، أو القوة المطلقة، أوالطاقة الكونية المبثوثة في الكون، فالمصطلحات الدينية يستخدمها مروجو برامج الحركة لدى أصحاب الديانات السماوية ولكن في سياقات باطنية، وعلى تصورات إلحادية مستقاة من معتقدات الشرق والغنوصية؛ مما يؤدي إلى اشتباه الأمور على بعض المسلمين ووقوعهم في لوثات الفكر الباطني، أو تحيّر كثير منهم في فهم حقيقة الروحانيات المعاصرة وحركاتها وتطبيقاتها، وتبني بعض أدبياتها لعدم ملاحظة كونها باطنية صفتها الخفاء والتلون والمخادعة.
المبحث الثالث -- طرق نشر الفكر وأبرز برامجه التطبيقية :
إن بذرة حركة "النيو-إيج" تكونت في الغرب النصراني، وهناك أيضاً وضعت اللبنات الأولى لطرق نشر فكرها؛ فأنتج معهد "إيسالن"_ محضن الحركة_ عشرات البرامج التي تقوم في أصلها على عقائد الغنوص"الروحانيات" وتحوي من العقائد والمبادئ المتنوعة والمتناقضة أحيانًا، وتم تصميمها بعناية وربطها بمجالات الحياة المختلفة كالصحة والرياضة والتطوير والعلاج وهندسة الديكور وتصميم المنازل وغيرها؛ لتوافق احتياجات أكثر الناس ومن ثم انتشرت على نطاق واسع بينهم.
كما تم تسويقها بشكل برامج متعددة المستويات تضمن زرع الفكر والمبادئ في نفوس وعقول المتدربين بتدرج لا يواجه أي معتقدات دينية لديهم وإنما يداهنها ويوافقها ثم يزاحمها ويقصيها([i]).
وقد تكّون لنشر وترويج فكر الحركة وممارساتها العديد من المؤسسات الخاصة وانتشر حملة فكر (النيو-إييج) في أنحاء أمريكا لنشر فكرهم وخرجت الفكرة إلى بريطانيا وأوربا ومن أشهر المؤسسات الأوربية في هذا المجال مؤسسة "فايند هورن" ببريطانيا، ومع الانفتاح الثقافي الكبير وفي ظل مد العولمة وصلت برامج الحركة بما تحمله من فكر إلى البلاد الإسلامية خلال الخمس عشر سنة الماضية وانتشر تبعا لذلك كثير من فكر ومعتقدات الحركة تحت ستار التطبيب البديل والتدريب المعتمد بنظام المستويات المتعددة([ii]).
ولا يزال معهد إيسالن يطور أبحاثه، ويغيّر إطار أفكاره بحسب نتائج مايرى في واقع الناس وقبولهم، ولذلك ففي قاعاته اليوم وبرئاسة أحد مؤسسيه مايكل ميرفي Michael Murphy تعاد دراسة الفكر الغنوصي الملحد وإعادة تشكيله ودمجه مع عقائد الحلول والاتحاد بدلا من الإلحاد المحض لتناسب اعتقاد أكثر الناس اليوم بوجود إله، ورغبتهم في الطلب منه، والاتصال به.كما أن المعهد يشترك اليوم في نشاط تتبناه جامعات ومراكز أبحاث ومؤسسات فكرية في الغرب للبحث في المؤثرات الغيبية في ممارسات وطقوس الأديان الشرقية والفرق الصوفية ووثنيات القبائل الهمجية في استراليا وهواي وسيبيريا وغيرها ويُخشى أن تخرج نتائج هذه الدراسات وتنشر على أنها علم وتجارب ودراسات محايدة فتلبّس الحق بالباطل، وهي ليست علماً وإنما فلسفة تهمّش الوحي الذي هو المصدر الوحيد الصحيح عن عالم الغيب ،لا يمكن معرفة حقائق المؤثرات الغيبية إلا من خلاله .
ومن الملاحظ أن حركة العصر الجديد تميزت عن غيرها من الحركات الباطنية الحديثة بمحاولة إضفاء الصبغة العلمية على كل الممارسات الباطنية التي تتبناها، ومن ذلك إضفائها صفة العلم على الكهانة والتنجيم والسحر، بل وصياغة مبادئ هذه الأمور وتعليمها للناس على أنها مهارات تكتسب عبر دورات تدريبية للتنمية البشرية([iii])، ورغم حرص الحركة الشديد على كسب احترام الأوساط العلمية إلا أنها رُفضت عند العلماء والجامعات ولم يقبلها إلا عدد قليل ممن تبنى فكرها ومعتقدها لعدم موافقة دراساتها وأبحاثها للمنهج العلمي الصحيح([iv]) إلا أن الاتجاه العام في العالم الغربي اليوم لقبول الروحانيات والاعتراف بتأثيرها ووجودها يوسع بشكل كبير دائرة المؤمنين بها أو الممارسين لبرامجها دون فهم لحقيقة ما يحدث ومتعلقات ما يمارسون
.
وهكذا فإن حركة "العصر الجديد" لم تأت في الحقيقة بجديد يذكر، فبرامجها إنما هي إحياء وبعث وتجديد لمجموعة مبادئ وتقاليد وطقوس شرقية ووثنية، ولكن الحركة قدمتها للعالم الغربي في صورة تدريبات للحصول على قدرات بشرية خارقة وروحانيات. كما أن الحركة لم تبرز كدين جديد، وإنما مثلت امتدادًا للتيار الباطني فتغلغلت في المجتمعات وتبنّى برامجها وفكرها مجموعات من أتباع جميع الديانات لكونها عرضت بشكل منهج جديد يقبل الاعتقادات المختلفة ويوفِّق بينها بحيث تظهر برامج الحركة كأنها تتناسب مع المعتقد الديني على تنوعه بل وتربطه بالمعتقدات والفلسفات الأخرى فيظهر حلقة من سلسلة كاملة! وتدعمه بمزيد من الروحانيات!
ومن هنا يمكن القول أن انتشار معتقدات حركة "العصر الجديد" في الغرب كان وراءه غنى الحركة بروحانيات الشرق، وموافقة ذلك للجفاف الروحي عند أصحاب الأديان المحرفة في الغرب، دون إلزامهم بأية لوازم دينية محددة أو مناقشة أي عقائد يعتقدونها. كما أن وسائل الاتصالات الحديثة ساهمت في سرعة انتشار هذه الأفكار فتجاوزت حدود أمريكا إلى أوربا ثم دخلت إلى بلاد الإسلام على يد من انخدعوا بظاهرها التدريبي في خضم الاهتمام المتزايد بالتنمية البشرية حيث قُدمت برامج الحركة تحت اسم الدورات التدريبية([v]) مختلطة بدورات تنمية المهارات، أو تحت اسم العلاجات والاستشفاءات البديلة، كما أُلفت عشرات الكتب، وأُعدت الصوتيات لنشر فكر الحركة بصور شتى. وتحمل جميع هذه البرامج والكتب أسماء مجملة وألفاظ ملتبسة غامضة توحي بالاتصال بالعلم وفروعه وتشتبه بأمور معروفة عند الناس مثل: البرمجة اللغوية العصبية والتنفس العميق والتنفس التحوّلي والتأمّل الارتقائي والاسترخاء والطاقة والتفكير الايجابي، وهندسة النفس، والحرية النفسية، والعلاج بخط الزمن وقانون الجذب وقد روجت الحركة خلال برامجها وأدبياتها لفرضيات قديمة زاعمة أنها حقائق علمية ثابتة مثل "العقل الباطن" و"وعي الجمادات والنبات".
وفيما يلي تعريف موجز بأشهر عناوين برامج الحركة :
- الطاقة:
الطاقة المقصودة في هذه البرامج هي ما يسمى في الفلسفة الشرقية "كي ki وتشي chi-Qi والطاوTao والماكرو Macroوالبرانا Pranaومانا " Mana وفي الفلسفة الغربية الروحية وبرامج العصر الجديد تسمى إضافة لأسمائها الشرقية بأسماء علمية نحو منها "قوة الحياة" أو "الطاقة الكونية"([vi]). وحقيقة هذه الطاقة فلسفة لا علاقة لها بالطاقة الفيزيائية، فهي اعتقاد بقوة عظمى خلف كل شيء يقابل الاعتقاد بالإله عند أصحاب الديانات السماوية. وهي أول ما ينبغي أن يؤمن المتدرب به، وبأهميته وقوته، ويمارس كيفية الشعور به، واستمداده، وفعل ما يساعد على تدفقه في جسده، واتحاده به، ويتجنب ما يباعد بينه وبينه. وفلسفة الطاقة الكونية مستمدة من أصل الفكر الفلسفي الغنوصي الذي يفسر الوجود والكون والحياة والإنسان بعيدا عن هدى الوحي. وتمثّل الطاقة الكونية– عند معتقديها- القوة المطلقة في الكون، ويعدون كيفية استمدادها والتناغم معها هو السر الذي كان الباطنيون الأوائل يحتفظون به لأنفسهم ولكن حركة العصر الجديد جعلته في متناول جميع الناس دون تمايز ديني وبطرق متنوعة. وتشتمل جميع البرامج المقدمة باسم الطاقة على نسب متفاوتة أصل من الفلسفة الباطنية، وفيها تشرح أهم العقائد الشرقية على أنها حقائق كونية عن أصل الكون ونشأته وانقسامه لثنائيات عظيمة يسمونها (ين/يانغ) مؤثرة في كل جوانب الحياة، جاء في كتاب الوجوه الأربعة للطاقة : "في بداية الأمر لم يكن هناك سوى الذي هو، فأراد أن يعُرف لأن الشيء إذا لم يعرف فكأنه غير موجود، فأفاض الكون فأصبح الكون هو وهنا وهناك ....."! ([vii]) .كما يُشرح في هذه الدورات أصل الإنسان والمؤثرات الماورائية فيه من منطلق مادي وفلسفي مستمد من الفلسفة الشرقية بعبارات علمية وأجواء تدريبية لضمان الإيمان بها وممارستها، ومن ذلك فلسفة "الأجساد السبعة" وخصائص "الجسم الأثيري"التي مفادها الاعتقاد بوجود أجسام سبعة لكل الكائنات ومنها الإنسان أولها الجسم البدني وأهمها الأثيري ويقع على هذا الجسد جهاز متكامل يمكن تنفذ من خلاله الطاقة الكونية للجسم البدني وسائر الأجساد وتمنحه السعادة والصحة وتقوي لديه الحاسة السادسة التي تمنحه قدرات خارقة في التأثير والعلم ونحو ذلك([viii]).
ويُدرب المتدربون في برامج الطاقة التدريبية على كيفية ممارسة الطقوس التي تمكنهم من فتح منافذ الطاقة في أجسادهم (الشاكرات) Chakrasوالحصول على كميات أكبر من طاقة قوة الحياة، أو الاتحاد بها. ومن ذلك التدرب على تمارين خاصة وترانيم ووضعيات خاصة هي في الحقيقة طقوس وعبادات ورياضات روحية يستخدمها كثير من الباطنيين على اختلاف دياناتهم لاكتساب قوة فوق عادية في التأثير والشفاء حتى أنها سبب لتحصيل قوة إبراء وشفاء للنفس والآخرين بمجرد اللمس! ([ix])
وملاحظ أن تقديم هذه الفلسفة باسم "الطاقة" الذي يشتبه بالمصطلح العلمي المعروف في العلوم الطبيعية جعل المتدربون يعتقدون أنها علماً، وينفون كونها دينا أو معتقداً، ويحاولون فهمها بالتقريب بينها وبين ما هو معروف في العلم الفيزيائي ومصطلحاته وفروعه. كما أن تقديمها بأسمائها الأصلية في اللغات الشرقية كـ"الريكي"و"التشي كونغ"و"السياتشو" و"الفونغ شوي" و"الشياتسو" و"التاي شي"و"اليوغا" وغيرها جذب كثير ممن يرون للشرق تقدماً في الصحة وتفوقاً في أنواع الطب البديل. وهكذا راجت فلسفة الغنوص تحت هذه الأسماء في أنحاء العالم ومنه العالم الإسلامي لطلب الشفاء والتخلص من الأمراض، أو وصفات وقائية للحياة السعيدة ودوام الصحة وتحقيق السلام والإيجابية، ووجدت لها رواداً ومشجعين من المسلمين! ([x])
-التنفس التحولي والعميق Transformational Breathingالتنفس برنامج تدريبي أو علاجي من برامج العصر الجديد عبارة عن تمارين تنفس لما يسمونه طاقة البرانا الكونية أو الهو (ضمير الغائب)!
واستشعار تدفقها في الجسم، وإمدادها له بالطاقة، والدخول بعد ذلك في حالة من الاسترخاء العميق والنشوة ([i]).
وهو تدريب يُقدّم مستقلا للعلاج والصحة أو تنمية القدرات البشرية، ويُقدَّم كجزء في أكثر البرامج الباطنية الأخرى لأنه طريقة من طرق التنويم والدخول في حالات الوعي المغيّرة، وإطلاق قدرات "اللاوعي" التي تعد في جميع تطبيقات العصر الجديد مرحلة مهمة لكونها بوابة التواصل مع العقل الكلي أو اللاوعي الجمعي وهي عندهم بداية التغيير والانطلاق والفتح والعلم وتسمى "النشوة"و"الغشية" و"الخلاء"وهي ذات مايُعرف عند البوذيين والهندوس باسم "النرفانا"، وعند المتصوفة بـ"الفناء" ويسميها مروجو برامج الحركة المسلمين حالة الخشوع ([ii])! ومن العجيب أنه يتم التدريب عليه من أجل تحصيل خشوع دائم، ومن أجل التلذذ بالصلاة والعبادة، وهو أحد الأدوات في دورات أفكار إبداعية لحفظ القرآن الكريم!
-التأمل الارتقائي والتجاوزي Trancsendental Meditation أصل هذا البرنامج طقوس معروفة في الديانة المهاريشية([iii]). وهو تمارين رياضية روحية من أصول الديانات البوذية والهندوسية، هدفه الترقّي والسمو والوصول للاسترخاء الكامل والدخول في حالة من اللاوعي ومن ثم الوصول إلى النشوة "النرفانا"، والتأمل كبرنامج تدريبي ضمن برامج الحركة يعتمد على تمارين للتنفس العميق والتنفس التحولي مع تركيز النظر في بعض الأشكال الهندسية والرموز والنجوم، وتخيّل الاتحاد بها، وترديد رتيب لترانيم معينة "مانترا" منها: (أوم ...أوم ....أوم ...) أو سماع الترانيم في جو هادئ، وضوء خافت، وفي حالة تخفف من الطعام والثياب . و"أوم" في الديانات الشرقية هو الاسم الدال على الثالوث المقدس :الخالق والهادم والحافظ. ويعد ترديده سرّ قوي في تحصيل القوى الخارقة والطاقة الكونية ! تقول مريم نور أحد رؤوس الباطنية المعاصرة :"كلمة واحدة فقط تقوم بتكرارها وتكرارها، بحيث تتركز طاقة العقل كلها في هذه الكلمة وحدها، عندها تتحول هذه الكلمة إلى عدسة تجمع كل الطاقة الموجودة في عقلك مما يجعلك قوياً ومؤثراً حتى أنك تستطيع عمل المعجزات فقط بالتفكير....إذا كنت ممن يتقنون المانترا، فإنك تستطيع أن تقول للشجرة فلتموتي فإنها ستموت، كما يمكنك أن تقول لأحد الأشخاص كن معافى فإنه سيتعافى من المرض، وإذا قلت لأحدهم كن مريضا فإنه سيصاب بالمرض"!([iv])
- البرمجة اللغوية العصبية Neuro Linguistic Programming واختصارها الغربي "NLP" وقد قامت البرمجة اللغوية العصبية على تنظير ودعم jrejeory Bateson جريجوري بيتسون (1904 –1980م) أحد أبرز الباحثين في معهد إيسالن الذي عاش على المبدئ البوذية ومات في مركز "زن" البوذي بأمريكا. كما صُممت برامجها على (نمذجة) ثلاثة من كبار الباطنيين الغربيين بحيث دُرست شخصياتهم وفكرهم وسلوكهم ومشاعرهم ودرست أسباب نجاحهم وتميزهم وكيفية تطبيقهم لفكرهم وممارستهم لما يعتقدون، ودراسة تطبيقهم الناجح لأفكارهم وممارستهم لمعتقداتهم، وهؤلاء الثلاثة هم:ميلتون إريكسون Melton Erickson (1901–1980م) الذي تميز في التدريب على تقنيات الخروج من العقل إلى "حالات الوعي المغيرة" تطبيقاً مباشراً لبوذية زن التي كان من المهتمين بها. وفرتز برلز Firtz Perls (1893–1970م) أحد الباحثين في معهد إيسالن المهتمين بفلسفة "وحدة الوجود". وفرجينيا ساتير Satir(1916-1988م) المعالجة التي تميزت في مجال التأثير على الآخرين، وعملت بمعهد إيسالن من عام 1966م، وأسست أحد أكبر مراكز "النيواييج" في أمريكا (مركز آفانتا)Avanta cantr وتتبنى فرجينيا الفكر الفلسفي الشرقي حتى أنها طلبت حرقها بعد وفاتها وبث رمادها - على معتقد الهندوسية في محاولات النجاة من جولان الروح حسب عقائد الهند - وتم حرقها بالفعل([v]).
والبرمجة اللغوية العصبية كبرنامج تدريبي تحتوي على خليط من العلوم والفلسفات والاعتقادات والممارسات، تهدف تدريباتها لإعادة صياغة صورة الواقع في ذهن الإنسان، بحيث تصبح داخل الفرد وتنعكس على تصرّفاته. وهي برنامج انتقائي eclecticقائم على بعض الفرضيات والنظريات تم جمعها من فروع العلم الأخرى، كعلم النفس السلوكي والمعرفي وشيء من الإدارة وغيرها؛ لذلك تشمل بعض التمارين النفسية أو العلاجية الصحيحة، غير أنها ليست منها وإنما انتحلتها من غيرها وشكّلت بها الظاهر الحسن لهذا البرنامج الذي هو تنمية قدرة الفرد على الاتصال مع الآخرين، وقدرته على محاكاة المتميزين. وتحتوي كذلك على بعض الفرضيات غير المثبتة والنظريات المرفوضة علمياً ولكن التدريب على تطبيقها يتم وكأنها حقائق علمية ([vi]). خطورة البرنامج تكمن في باطنه كسائر برامج حركة العصر الجديد فهو يُسرب مفاهيم ومبادئ متنوعة من الفلسفة الباطنية، ويتم إقناع المتدربين بالإمكانات غير المحدودة التي يمكن تحصيلها عن طريق العقل الباطن "اللاوعي" وقدراته الخارقة. وتدريبهم على الدخول في حالة اللاوعي لإحداث التغيير الإيجابي في النفس ووضع المفاهيم المطلوبة في النفس دون قيود العقل([vii]).
-الماكروبيوتيك Macrobiotics، هو الفلسفة الباطنية بعينها وشمولها، ولكن بطريقة حيوية وممارسات يومية، فتقدم الفلسفة في شكل برامج تأخذ طابع التثقيف الصحي والعلاج البديل، وتشرح فيها بشكل صريح فلسفة الحياة بالاعتماد على الإيمان بالطاقة الكونية وسرها في الحياة، وضرورة إعادة نظام الحياة والمأكل والملبس والرياضة وتصميم المنـزل بما يوصل إلى التناغم مع الطاقة الكونية والوصول للسمو الروحي والشفاء الجسدي! تقول مريم نور :"الماكروبيوتيك ليس عقيدة أو دين، إنه التدين الموجود في القلب والحب للحياة. وهو ليس فكر تصوري بل إنه يتخطى ذلك البعد. هو والحياة لا يمكن تجزأتهما، إنه جوهر الحياة والصحة والسعادة والحرية"([viii]) وتركز المستويات الأولى من برامج الماكروبيوتيك على التطبيقات المتعلقة بالغذاء ومن خلالها تسرب مفاهيم الطاقة الكونية وثنائية (الين يانغ) وما يتعلق بذلك من اعتماد خصائص ميتافيزيقية للأطعمة مبنية على متعلقات هذه الفلسفة الباطنية القديمة فقد كان معروفًا قديمًا ضمن "علم الفلاحة" الحديث عن خواص النبات وروحانيته ومشاكلتها لروحانية الكواكب والهياكل المستعملة لذلك مما هو داخل في باب السحر؛ لذا أخذ المسلمون من هذا العلم مايتعلق بزرعه وغرسه وعلاجه وأعرضوا عن الكلام الآخر([ix])، واليوم تبعث هذه الفلسفات في برامج الحركة وتروج على أنها علم وهي عقائد باطنية تبناها في الشرق أصحاب "بوذية زن" وضمنت فلسفتها لبرامج الماكروبيوتيك مع برنامج غذائي كامل مبني تُجتنب فيه المنتجات الحيوانية من اللحوم والألبان والعسل ! وفي المستويات الأعلى من برامج الماكروبيوتيك التدريبية تقدم الفلسفة الباطنية بشمولها وتطبيقاتها في كل مجال الحياة بحيث يتحدد نوع الغذاء ومكان السكن ونوع الملبس والبرنامج اليومي وطريقة تصميم المنـزل وغيرها بطريقة تعتمد فلسفة الطاقة الكونية وكيفية استجلابها لتحقيق الصحة والسعادة([x]) .
منقول من مقالات د-فوذ كردى
([i]) تسمى الطاقة الكونية في كثير من الأدبيات الشرقية النفَس Breath فهي تمثل النفس الذي يحفظ حياة الكون، ولأن التنفس من أهم طرق استمداها،ينظر:
-Taoism:Growth of a Religion:7 –Isabelle Robinet
Historical Dictionary of New Age Movements ,Michael York:p152.-
ولمراجعة التنفس وفلسفته بطريقة عرض باطنية تناسب الثقافة الإسلامية يراجع كتاب "التنفس أسلوب لحياة جديدة "، تأليف جوديت كرافيتز، ترجمة وإعداد : نورة الشهيل.
([ii]) دليل المستخدم لفن التنويم ، صلاح الراشد ، ص25.
([iii]) الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، 2/ 781.
([iv]) من مذكرة البرنامج التدريبي ( ستة أيام في بيت السلام) مريم نور، ص84-85.
([v]) ولمعرفة أكثر تفصيلا عن حقيقة البرمجة اللغوية العصبية، يراجع :
-New Age encyclopedia Belinda Whitworth, p.160
Historical Dictionary of New Age Movements ,Michael York:p.13-
-Christian Responses to the New Age Movement, John A. Saliba, p.12
([vi]) ينظر على سبيل المثال تقرير علم النفس السريري بجامعة شفيلد:
-Hypnosis,Michael Heap,p:268-280
([vii]) في العالم الإسلامي تبنى برنامج البرمجة اللغوية العصبية كثير من أهل الدعوة وحرصوا على تنقيتها والوقوف عند ما يحويه برنامجها بمستوياته المتعددة من نظريات وتمارين لا تتعارض مع مبادئ الدين، ولكنها محاولات لم تسلم من تقديم خير فيه دخن، والأخطر أنها فتحت باباً للشر دخلت منه أنواع التطبيقات الأخرى التي حرصت حركة العصر الجديد على جعلها منظومة متكاملة ومألوفة لمن يضع قدمه في مستوياتها الأولى من أي برنامج .
([viii]) مذكرة البرنامج التدريبي ( ستة أيام في بيت السلام) مريم نور، ص8.
([ix]) ينظر: المقدمة لابن خلدون: 465 .
([x]) لمعرفة تفاصيل أكثر عن الماكروبيوتيك كبرنامج وممارسة يمكن مراجعة كتب الماكروبيوتيك لأسامة مأمون، والماكروبيوتيك للعلاج للتركي، مع التنبه لكونها تحاول حذف وإضافة في المفاهيم والتطبيقات للتقريب بينها وبين الثقافة الإسلامية. وفي كتاب "المعجم التاريخي لحركات العصر الجديد " لمايكل يورك بيان للماكروبيوتيك كما هو عند حركة النيو -إييج ، ينظر:
Historical Dictionary of New Age Movements ,Michael York:p:139.
([i]) ينظر: -"The Implications of New Age Thought for the Quest for Truth: A Historical Perspective", Horn, p.56
([ii]) بمراجعة قوائم الدورات والبرامج المقدمة من معهد (إيسالن) ومن مؤسسة (فايند هورن) ومن كثير من مراكز التدريب الجديدة في العالم الإسلامي وأشهرها (مراكز الراشد) يتضح كيف تسوق الحركة برامجها عالميا وبنفس الأسماء .
([iii]) ومن ذلك إنشاء جامعة للعلوم الباطنية بالولايات المتحدة الأمريكية اسمها "أمريكان باسفيك" American Pacific تمنح درجة البكالوريوس والدكتوراه في التخصصات التالية: السحر وتشريح الروح والمانترا وتانترا التبت والرمل والكهانة والعرافة والماكروبيوتيك والبرمجة اللغوية العصبية والطاقة والريكي والتاي شي والفونغ شوي! ينظر: موقع الجامعة الإلكتروني: www.ampac.edu. وتجمع هذه التخصصات كل ماعرفته البشرية من الوثنية والدخل والشرك والكفر والإلحاد، ويشرف عليها كبار "النيو إيجرز".
([iv]) ينظر: Perspectives on the New Age, James R. Lewis & J. Gordon Melton
([v]) من المسلََّم به أن التدريب يعد اليوم جزء من متطلبات الحياة المعاصرة، حيث تهتم أغلب المؤسسات المهنية والتعليمية وغيرها بتدريب كوادرها ضمن خططها التنموية العامة وهو أمر مطلوب حضارياً. ولكن ينبغي الاهتمام باختيار برامج تنموية حقيقة لأن برامج التدريب التي تنتجها الحركة تندس ضمن دورات التنمية البشرية، وقد تبدو في ظاهرها وقالبها العام حيوية الطابع وتحت أسماء مجملة لا تفصح عن حقيقتها نحو : تطوير الذات والهندسة النفسية والتفكير الإيجابي والبرمجة اللغوية العصبية واستراتيجيات العقل والطاقة البشرية وطاقة الألوان ونحو هذا، وباطن هذه الدورات فكرا غنوصيًا ملحدًا يدعو بطرق خفية للاستغناء عن الإله. وللأسف فقد زعم أفراد ممن فتنوا بهذه الدورات وبنوا عليها تجارتهم أنهم عزلوا الباطل فيها عن الحق! وانطلقوا يروجون لها تحت سحابة من النصوص القرآنية والحديثية فانتشرت بين عموم المسلمين وسرّبت كثير من مبادئ الحركة ومعتقداتها إليهم .
([vi]) لا يمكن فهم فلسفة الطاقة ومعرفة أبعادها العقدية ولوازمها إلا بدراسة أصول الديانة الطاوية من مراجعها الأجنبية، ومراجع حركة العصر الجديد التي تتناول أصل الفلسفة، ولعل هذا سبب رئيس في خفاء الأمر والتباسه على كثير من المدربين المسلمين حيث تعرض في الكتب العربية على أنها علم وصل إليه الشرقيون بتجاربهم وخبراتهم المتوارثة! ينظر : -The Tao of the west:31-J.Jclarke - New Age Spirituality :An Assessment:150 –edited by:Duncan S.Ferguson
([vii]) الوجوه الأربعة للطاقة، رفاه وجمان السيد ص:61.
([viii]) ينظر : الطاقة الخفية والحاسة السادسة لشفيق رضوان :142
([ix]) ينظر : الريكي للمبتدئين لديفيد فيلنس :30. وطاقة الكون بين يديك لمها نمور:120.
([x]) لمراجعة كيفية عرض فلسفة الطاقة عند المدربين المسلمين ينظر: مذكرات دورات الطاقة والتشي كونغ لحسن البشل، ومذكرات دورات الريكي لطلال خياط، مبادئ العلاج بالطاقة الحيوية لعبدالتواب حسين، الشفاء بالطاقة الحيوية لأحمد توفيق،والاستشفاء بالطاقة الحيوية والفونغ شوي والوجوه الأربعة للطاقة لرفاه وجمان السيد، علاج الأمراض بالأحجار لزكريا هميمي، وطاقة الكون بين يديك لمها نمور، الوجوه الأربعة للطاقة لرفاه السيد.
([i]) مجموع فتاوى ابن تيمية : 3/94.
([ii]) ينظر: Christian Responses to the New Age Movement, By John A. Saliba, p:12
([iii]) ينظر:تاريخ الفلسفة اليونانية ليوسف كرم:290، وموسوعة الفلسفة لعبد الرحمن بدوي :1/271، وتاريخ الفكر الفلسفي عند العرب : 103
([iv]) ينظر:منو اسمرتي تعريب إحسان حقي: 686، والمعجم الفلسفي لصليبا:1/346، وتناسخ الأرواح لمحمد الخطيب : 14-29
([v]) منهم طوائف الفلاسفة والحلولية والرافضة، ينظر: "الفرق بين الفرق" للبغدادي: 240
([vi]) ينظر: -Sourcebook of the World's Religions: An Interfaith Guide to Religion and Spirituality Beversluis, Joel D
([vii]) تتبنى الحركة فلسفة تقسيم العقل إلى عقل واع وعقل لاواعي ( باطن)، وتنسب للعقل الباطن (اللاواعي) خوارق وقدرات لا متناهية إذ هو المنفذ في اعتقادهم إلى العقل الكلي واللاوعي الجمعي. ينظر : قوة عقلك الباطن لميرفي ص20.وينظر تبني نفس الفكر للمتأثرين بفكر الحركة المفتونين بها في كتاب آفاق بلاحدود للتكريتي ص207، والإيمان وإيقاظ القوى الخفية لتوفيق الواعي ص37.
([viii]) ينظر : -Sourcebook of the World's Religions: An Interfaith Guide to Religion and Spirituality, Joel Beversluis
([ix]) ينظر : -"The Implications of New Age Thought for the Quest for Truth: A Historical Perspective", Horn,p.78
([x]) ينظر: موسوعة الفلسفة لعبدالرحمن بدوي :ج/ 538
([xi]) ينظر : -The skeptic's Dictionary: A Collection of Strange Beliefs, Amusing Deceptions & Dangerous Delusions, Carroll, Robert.
([i]) ينظر : الغنوصية في الإسلام لهاينس هالم :6-12.
([ii]) يستعمل مصطلح "التناغم مع الطبيعة" في الفلسفة المعاصرة للدلالة معاني فضفاضة تبدأ بالدعوة إلى العودة إلى الطبيعة بالبعد عن المصنعات فيما يتعلق بالأغذية والملبس والمسكن، وتنتهي بالدعوة إلى التعري والإباحية والشذوذ بزعم أنها توجهات طبيعية لاداعي لكبتها أو تغييرها لتوافق أكثر مع الكون والطبيعة.
([iii]) وتوحيدهم بحسب سياقنا الإسلامي هو عين الكفر وهو القول بوحدة الوجود .
([iv]) ينظر: -"The Implications of New Age Thought for the Quest for Truth: A Historical Perspective", Horn,p. 32
([v]) شاع هذا المصطلح اليوم بدعم من برامج العصر الجديد، ورُوج على أنه حقيقة علمية مأخوذة من العلوم الشرقية الطبية القديمة. والحقيقة أن فكرة الطاقة الحيوية فرضية فلسفية هي فلسفة الكلي المطلق الذي تنبثق منه الموجودات وتسعد وتصح كلما اتصلت به واتحدت معه !
([vi]) ينظر:-"The Implications of New Age Thought for the Quest for Truth: A Historical Perspective", Horn,p. 35
([vii]) يروج اليوم لكتاب وبرنامج وفيلم باسم "السر"، وحقيقته بعث لمضمون طرح منذ مئة سنة مضت في عام (1906م) عندما كتب ويليم أتكنسون رئيس تحرير مجلة نيو ثوت كتابه "ذبذبات الفكر: أو قانون الجذب في عالم الفكر" Thought Vibration or the Law of Attraction in the Thought World by William Walker Atkinson الذي تضمن طرحًا باطنيًا لعقيدة الدهرية أو وحدة الوجود (Panthiesm). وهذا السر الذي يفشونه لخير البشرية اليوم – كما يزعم أنصاره – يزعمون أنه ممارسة لقانون كوني يُمكِّن الإنسان من اجتذاب كل ما يريده من الحياة والصحة، السعادة، الثروة، الحب وغير ذلك.
([viii]) ومن هذه الكنائس:Chrstian Science, Church of Religious Science, Church of Divine Science, Unity School for Chrstianity مع أن هذه المؤسسات بعيدة تمامًا عن الالتزام بالدين النصراني وطقوسه ولكن انشاءها تحت اسم الكنائس هو للحصول على التسهيلات والميزات الخاصة بالكنائس في الغرب.
([ix]) "السفر خارج الجسد" هو عنوان برنامج يُدرّب عليه اليوم ضمن برامج حركة العصر الجديد، ويحكي رواده ما وصلوا إليه من لذّات الروح في تجوالهم خارج أجسادهم بينما هم يرون أجسادهم قابعة حيث تركوها ! ينظر: التدريب على السفر خارج الجسد لإحدى المدربات على موقعها: www.mhahashem.com
([x]) وكذلك وصلت حركة الروحية الحديثة إلى العالم الإسلامي وتصدى لها أنذاك كثير من العلماء وأشهرهم الدكتور محمد محمد حسين وفضح في "كتابه الروحية الحديث" ممارساتهم وخداعهم، وبيّن مخاطر جمعياتهم وبرامجهم.
([xi]) ينظر: -"The Implications of New Age Thought for the Quest for Truth: A Historical Perspective", Horn,p. 36
([xii])
([xiii]) لفظ التناغم مع الطبيعة لفظ مجمل، ومعناه الاصطلاحي المراد في الفلسفة الباطنية سبق بيانه فينبغي التنبه له.
([xiv]) ينظر:"مفتاح الثيوصوفيا" لبلافاتسكي:4.دراسة منشورة على موقع معابر.
([xv]) ينظر : "تحقيق ماللهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة" للبيروني : 24
([xvi]) قد يكون من المناسب أن يُسمى"دين إبليس"، لأنه الطريقة التي ضلل بها الناس على امتداد الزمان عن الحق، وزين لهم تحريف كتبهم بتأويلها وادعاء بواطن وأسرار كامنة وراء نصوصها، فهكذا صرف كثيراً من النصارى عن أصل دينهم فتكونت الغنوصية النصرانية، وصرف بها طوائف من اليهود فتكونت القبالة الباطنية، وكذا انطلت الحيلة على فئام من أمة الإسلام فتكونت الفرق الباطنية المنتسبة للإسلام وهو منها براء. واليوم وفي عصر العولمة وثورة الاتصالات يرسل إبليس رسله مضللين للبشرية بصور متجددة منها برامج التدريب والتطبيب لحركة العصر الجديد .
([xvii]) الحكمة الإلهية ومبادئها الأساسية الثلاثة "مدخل إلى دراسة العقيدة السرية " ديمتري أفييرينوس ، منشورات موقع معابر ، ص5 .
([xviii]) ينظر : The skeptic's Dictionary, Robert Carroll :p.376-
وأسياد الأخوية البيضاء العالمية – كما يعتقد المؤمنون بهم- تجسدات لأرواح أنبياء أو حكماء سابقين! فهم في نظر أتباعهم مجموعة من البشر المتطورين الذين بلغوا كمال الحياة الأرضية وطوَّروا في أنفسهم قدرات وملكات معرفية خارقة ، وهم يوجهّون العالم طبقًا لخطة إلهية، بحكمة ودراية لانهائيتين. ينظر: الحكمة الإلهية ومبادئها الأساسية الثلاثة "مدخل إلى دراسة العقيدة السرية" لديمتري أفييرينوس، منشورات موقع معابر، ص16.والموقع الرسمي لجمعية الثيوصوفي: www.theosociety.org
([xix]) يستخدم هذا المصطلح للدلالة على معتقدات الأديان السماوية القائمة على التلقي والتي لا يقتنع بها العقل، وهو أمر واقع في كثير من معتقدات الأديان المحرفة التي عرفها الثيوصوفيون، بينما عقيدة الدين الإسلامي مبرهنة يطمئن لها العقل لعدم تضادها معه في شيء، وثبوت صدق مبلغها صلى الله عليه وسلم .
([xx]) يقصد بهم أجيال الشباب الذين ظهر فيهم الضياع التام والتيه والبعد عن بقايا الدين المحرف، وقد كان هؤلاء سمة على شباب أمريكا في القرن العشرين وأشهرهم الهييبز والبنكس.
([xxi]) ينظر: -"The Implications of New Age Thought for the Quest for Truth: A Historical Perspective", Horn,p. 36
([xxii]) وقد تنبه رجال الدين النصارى لخطر هذه الحركة على أساسيات دينهم المحرف ، فواجهوها منذ السبعينيات من القرن العشرين بكتابات نقدية تبين معارضة مبادئ ومعتقدات "العصر الجديد" لأبسط مبادئ النصرانية والديانات السماوية بشكل عام . ينظر:
-Christian Responses to the New Age Movement, John A. Saliba .
وفي عام 2003 م أصدر الڤاتيكان وثيقة مفصلة بيّن فيها خطورة حركة "العصر الجديد" وما تنشره من أفكار هدامة ، وعنوان الوثيقة: "A Christian reflectionon the New Age" وهي موجودة كاملة على موقع الڤاتيكان الرسمي: www.vatican.va
([xxiii])معهد إيسالن Esalen Institute of California بولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية أنشئ عام 1961م من قبل متبني الفكر الثيوصوفي وأبرز مؤسسيه: مايكل ميرفي Michael Murphy وريتشارد برايس Richard Price، وهو معهد للدراسات الباطنية يهدف إلى نشر الفكر الروحاني spirtituality ويجعله بديلاً عن الدين Religion، وقد استقطب كثيرًا من المتخصصين في مجالات متنوعة الذين يجمعهم الإيمان بإمكان ترقي الإنسان إلى مرحلة روحانية إلهية، منهم: كارل يونغ Carl Jung، وإبراهيم مازلو Abraham Maslow وغيرهم، وفي المعهد تكونت عشرات المؤسسات الخاصة لنشر فكر المعهد داخل وخارج أمريكا كحركة القدرات البشرية الكامنة وحركة الوعي ومنه خرجت حركة العصر الجديد.ينظر: الموقع الرسمي للمعهد : www.esalen.org
-"The Upstart Springs: Esalen and the Human Potential Movement", Walter T. Anderson,p.54 .
([xxiv]) يقصدون المعتقدات السماوية القائمة على التلقي كما سبق بيانه.
([xxv]) ينظر : The New Age: The History of a Movement, Drury, Nevill-
([xxvi]) ينظر: New Age and Neopagan Religions in America, Sarah M. Pike -
([xxvii]) وتم إيداع هذه الدراسات في جامعة" University of California, Santa Barbara "
([xxviii]) ينظر: - The New Age: The History of a Movement, Drury, Nevill
([xxix]) ينظر: -The Upstart Spring: Esalen and the Human Potential Movement, Walter Anderso
Esalen: America and the Religion of No-Religion, Kripal, Jeffrey John -
([xxx]) بين الغزالي هذا المنهج الباطني وفصله في فضائح الباطنية ص 15 ومابعدها ، بما يؤكد أن فكر ومنهج الباطنية قديما وحديثا له الأصول والسمات نفسها.
([xxxi]) ينظر:مجلة النيويورك تايمز في عددها الصادر في 29سبتمبر1968م ، مقالة بعنوان "المبادئ الروحية تجتذب سلالة جديدة من الملتزمين -Spiritual Concepts Drawing a Different Breed of Adherent, New York Times,september29,1986
([xxxii]) ينظر: -"The Implications of New Age Thought for the Quest for Truth: A Historical Perspective", Horn,p. 40
([xxxiii]) وقد تبين لكل دارس للباطنية قديما وحديثاً اعتمادها على أصول الفلسفة الملحدة، ينظر: فضائح الباطنية للغزالي ص13، والحركات الباطنية للخطيب ص20.
([i]) ينظر: المعجم الفلسفي :1/195.
([ii]) ينظر: المرجع نفسه :1/234.
([iii]) فضائح الباطنية للغزالي :11.
([iv]) ينظر: نشأة الفكر الفلسفي للنشار :1/186 .
([v]) قال ابن تيمية عن الفلاسفة الباطنيين : "يظنون أن كمال النفس في مجرد العلم، ويجعلون العلم الذي به تكمل النفوس، ما يعرفون هم من علم مابعد الطبيعة، ويجعلون العبادات رياضة لأخلاق النفس، حتى تستعد للعلم فتصير النفس عالما معتزلا موازيًا للعالم الموجود" مجموع فتاوى ابن تيمية : 3/94
([vi]) ينظر: الهرطقة في الغرب لرمسيس عوض : 25 ، و:
-The American Heritage dictionary of the English language, 2000.
([vii]) "المطلق" مصطلح قد يترجم في سياق إسلامي تلفيقي أو في سياق باطني بـ"الله" أو الإله . والصواب أن القائلين بالمطلق لا يؤمنون بالله ولا بإله غيره ، وإنما يؤمنون بقدم العالم ودوامه وتحولاته والمطلق الذي يؤمنون به يعدونه أصلاً انبثقت منه كل الأشياء ويسمى في الكتابات الباطنية بأسماء أخرى منها "الكلي" و"الطاو" والطاقة الكونية"و"القوة العظمى" وغير ذلك.
([viii]) يجمع الباطنيون ومن ينقل عنهم تحت اسم"الحكماء الأوائل" الأنبياء صلوات الله عليهم أو بعضهم مع من يقدسون من أشخاص كبوذا وكنفشيوس وغيرهم .
([ix]) ينظر: المعجم الفلسفي: 1/195 ، وتاريخ الفكر الفلسفي عند العرب : 102، والمعرفة الباطنية لبوريس مورافييف: 1/4 .
([x]) ينظر:الغنوصية في الإسلام لهاينس هالم:6-12. وهذا ما نشطت مؤخرًا حركة التأليف والنشر والترجمة فيه ككتب أسرار الحروف التي يُزعم أنها تكشف أسرار المستقبل وأسرار الأعداد والألوان، وكتب أصول التنجيم والسحر والطلسمات وما يسمى بالطاقة الخفية أو الحاسة السادسة وغيرها وزخرت بها أرفف المكتبات حتى في بلاد الحرمين! ولا حول ولا قوة إلا بالله.
([xi]) ينظر : فاتحة العلوم للغزالي :29 ، وتلبيس إبليس لابن الجوزي :363.
([xii]) ينظر : الغنوصية في الإسلام لهاينس هالم ص :6-12.
([xiii]) الموسوعة من إعداد الدكتور عبد المنعم الحفني: 296-298
([xiv]) ينظر: المعجم الفلسفي: 1/94 ، والمنقذ من الضلال للغزالي: 120، وأصول الفلسفة الإشراقية لمحمد أبو ريان : 119، وعقيدة الصوفية وحدة الوجود الخفية لأحمد القصير : 499
([xv]) ينظر : الفتوحات المكية : 1/140
([xvi]) ينظر : اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر للشعراني : 1/21
([xvii]) ينظر : الرسالة اللدنية للغزالي : 114
([xviii]) ينظر : اللمع في التصوف للطوسي : 457
([xix]) ينظر : الرسالة القشيرية : 82
([xx]) ينظر : مجموع فتاوى ابن تيمية : 10/169
([xxi]) ينظر : الرد على المنطقيين لابن تيمية : 510
أولا: معنى الباطنية ( Esoteric)

"الباطنية" في اللغة من بطنت الأمر إذا عرفت باطنه، و"الباطني" تطلق على الرجل الذي يكتم اعتقاده فلا يظهره إلا لمن يثق به، وقيل "الباطني": هو المختص بمعرفة أسرار الأشياء وخواصها، وقيل هو الذي يحكم بأن لكل شيء ظاهرٌ وباطنٌ، ولكل تنـزيل تأويل.
والباطن هو الخافي، ويقصد بالعلم الباطن – عند أهله- معرفة الأسرار والخفيات كـ"علم الجفر"، أو "علم الحروف" الذي يدّعي أصحابه أنهم يعرفون به الحوادث إلى انقراض العالم، أو"القبالة" التي هي تفسير التوراة السري بالأرقام والحروف، وكعلم السحر والطلسمات وعلوم التنجيم والعرافة وغيرها([i]).
و"التأويل الباطني" هو إخراج النص عن دلالته الظاهرة لمعاني خفية لا تتجلى – بزعم أهل الباطن - إلا لخواص من الناس يتوارثون أسراراً خاصة، ويدربون أنفسهم على الغوص في خفايا النصوص واستخراج أسرارها من خلال خصائص روحانية للحروف والأعداد. وقد كان التأويل الباطني للنصوص ولا يزال أحد الوسائل الرئيسة التي تتخذها الحركات الباطنية لإيهام عامة المسلمين بأن العقائد الباطنية وفلسفاتها أو تطبيقاتها صحيحة ونافعة وأنها متفقة مع نصوص الكتاب والسنة وتاريخ الأمة([ii])، يقول الغزالي(ت.505هـ) : " إن الباطنية إنما لقبوا بها لدعواهم أن لظواهر القرآن والأخبار بواطن تجري مجرى اللب من القشر، وأنها بصورها توهم عند الجهال الأغبياء صورا جلية، وهي عند العقلاء والأذكياء رموز وإشارات إلى حقائق معينة"([iii]).
ثانيا: معنى الغنوصية (Gnosticism) ([iv])
"الغنوص" gnosis)) لفظة يونانيّة الأصل، معناها المعرفة أو العرفان وخاصة في أمور الفلسفة والدين، وتدل اصطلاحًا على معرفة كشفية إشراقية تصل إلى المعارف العليا مباشرة دون استدلال أو نظر، فهي – بحسب ما يرون-إدراك حدسيّ للحقيقة الروحانيّة.
ومصطلح "الغنوصية" يدل على طريقة سرّية باطنيّة تسعى إلى معرفة الحقيقة، وتعدها غاية الحياة([v])، وطريق الخلاص فيها([vi]).
ويعتبر الغنوصيون عقيدتهم أقدم مافي الوجود من عقائد وصلت مباشرة من المطلق([vii]) إلى الإنسان، كما يعتقدون أنها تختلف عن جميع العقائد الدينية بأنها متغيرة ونسبية ودائمة التدفق لا تتوقف.
وهكذا يتضح أن الباطنية والغنوصية كلمتان لمدلول واحد، فالباطنيُّون من جميع الملل يؤمنون أن المعرفة الباطنية هي الغاية المنشودة، ويسمون الوصول إلى "الغنوص" إشراقاً، وهو حالة من التحرر من الماديات تنكشف فيها المغيبات وتتجلى الحقيقة المطلقة. وليس الوصول إلى هذه الحالة مقصورًا على أحد كالوحي للأنبياء، وإنما يمكن لأي أحد تحصيل هذا "العرفان" عن طريق ذوق خاص ومجاهدات، وتتبّع لباطن وأسرار نصوص الكتب المقدَّسة واستخلاص الحكمة السريَّة المحجوبة فيها، وكذلك أسرار التعاليم والتقاليد الخاصّة المتوارثة من الحكماء الأوائل العارفين([viii]). كما يفيد في ذلك دراسة مايسمونه كتب "الحكمة القديمة" التي تمثل عندهم تراثًا سريًّا منقولاً للمعرفة الباطنيّة، وأشهرها كتب "الفيدا" عند الهندوس، وكتاب "القبالة" Kabbalah وكتاب "زُهر" لدى باطنية اليهود، وكتاب "الجفر" لدى الرافضة([ix]).
وتتسم جميع المدارس الغنوصية في جميع الأديان بالثنائية الظاهرة أو المستترة القائلة بوجود إلهين أو إله أعلى ينتشر بأشكال الفيوضات والأقانيم. ومن أبرز مواضيع الغنوص وموارده : "القيمة الرمزية للحروف الأبجدية، وتقسيم تاريخ العالم إلى دورات تطابق الحلول الجديد، والخلاص، والأرواح، والتناسخ، وتفسير النصوص رمزيا...." ([x]).
وقد تُرجم الغنوص في سياقات باطنية أو إسلامية - بطريق الخطأ- على أنه الوحي أو الإلهام([xi]). وسُمِّي الغنوص في مذاهب التصوف والتشيع الغالي ومعتقدات القرامطة والإسماعيلية والبهرة والنصيرية والدروز والزنادقة المتأثرين بالمانوية والصابئة المندائية بـ "الغنوص الإسلامي" ([xii])! والحق أن الفرق بين الوحي والإلهام وبين الغنوص والإشراق كبير جداً يعرفه أهل العلم ويدركون خطرة مثل هذه الترجمة الخاطئة ودورها في تلبيس الحق بالباطل. وفي الموسوعة الفلسفية عُرِّفت الغنوصية بأنها فلسفة صوفية، واسم علم على المذاهب الباطنية، وأن غايتها معرفة الله بالحدس لا بالعقل، وبالوجد لا الاستدلال([xiii]). وهي كذلك حقاً إلا أن الغنوصية غايتها معرفة ما تسميه الحقيقة أو المطلق وليس (الله) تعالى. والتعبير عن المطلق أو الحقيقة بلفظ الجلالة (الله) في تعريف الغنوصية أو وصفها إنما هو خلط بين الفلسفة والدين، فالدين يجعل الوحي هو طريق معرفة الله وأسمائه لا الحدس والعقل، ويعرِّف بأن لهذا الكون موجد واحد خلقه بإرادة وحكمة وقدرة هو الله تعالى الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلا وليس مجرد مطلق كلي سابق في الوجود لكل الموجودات كما يعتقد أكثر الفلاسفة.

وقد سميت المعرفة الباطنية الغنوصية في التراث الصوفي بأسماء عدة، وعُرِّفت في سياق تلفيقي باطني بما يقربها للمسلمين ومن ذلك: "المعرفة الإشراقيّة" التي عرّفت بأنها ظهور أنوار عقليـّة تفيض على الأنفس الكاملة عن المواد الجسميّة، فهي تلقٍّ مباشر من العالم الغيـبيّ والمعرفة الإلهيّة لمن لهم رياضات روحيّة ومجاهدات نفسيّة جعلت نفوسهم تصفو من الأكدار البشريّة فتتأهل لإشراق العلوم والمعارف المنقوشة في العالم العلويّ بزعمهم([xiv]).
وسميت بـ"علم الأسرار"، أو"المعرفة السّرية" يقول ابن عربيّ ( ت.638هـ) : علم الأسرار، العالم به يعلم العلوم كلّها، ويستغرقها وليس صاحب العلوم الأخرى كذلك، فلا علم أشرف من هذا العلم المحيط، الحاوي جميع المعلومات([xv]). وهو علم فوق طور العقل، فهو نفث روح القدس في الروع يختص به النبيّ والوليّ ويحصل من طريق الإلهام([xvi]).
وسميت كذلك بـ"المعرفة اللدنيّة"، إشارة إلى ما ذكر سبحانه من شأن الخضـر u: SãHTWÞóTÙPVÕWÆWè¼ ÝYÚ †TPVßSŸPVÖ †_TÙ<ÕYÆ (65) » [الكهف:65]، فهي معرفة كالضوء من سراج الغيب يقع على القلب الصافي([xvii]).
وسميت "علم الحقيقة" ([xviii])عند غلاة الصوفية الذين قسّموا العلوم إلى علم شريعة وعلم حقيقة، فجعلوا الشريعة التزام العبوديّة، والحقيقة مشاهدة الربوبيّة([xix])، ومن يصل إلى الحقيقة- عندهم- لا يتقيّد بأمر الشارع ونهيه مما جاء عن طريق الرسول، وإنما يتّبع ما يكشف له ويذوقه ويجده ونحو ذلك([xx]).
فالمعرفة الباطنيّة والغنوصية بمختلف الأسماء الدالة عليها هي – عند معتقديها- طريقة وصول للحقيقة القطعيّة للغيب تتجاوز جميع الطرق الأخرى قدرًا وسعة؛ فهي تتناول حقائق لا يتوصل إليها بالعقل ولا النقل، كما أنها طريقة متاحة لكل الناس بشرط قدرتهم على التحرُّر من تأثير الحسّ والعقل اللذين يحجبان الإنسان عن السموّ إليها . ويتم تحصيل هذه القدرة عن طريق رياضات وجوع وسهر وتصفية وفناء ومقامات وأحوال، فعندها تحدث المعارج الروحيّة والتجليـَّات النورانيـّة التي يزعمون! بناء على أصلهم الفاسد وهو أن النفوس إذا صفت اتصلت بالمطلق([xxi]). وقد أخذت الرياضات الهادفة إلى تصفية النفس والتحرر من تأثير الحس والعقل في العصر الجديد أشكالا جديدة كالتنويم الإيحائي والمغناطيسي وممارسات التأمل الارتقائي والتنفس العميق وغيرها .
ومن المهم التأكيد على أن وصف الفرق القديمة من القرامطة والاسماعيلية وغيرهم بالغنوصية والباطنية هو لبيان أصولهم الفلسفية ومنهجهم في المعرفة لكنه أبدا ليس لحصر الباطنية فيها فالفكر الباطني الغنوصي يتلون ويتجدد كل عصر ليخرج للعالم فرقاً جديدة، أو يكوّن مذهباً، أو يشكل حركة.
المبحث الأول: نشأة الحركة وجذورها التاريخية *الجذور الفلسفية للحركة :
تعود جذور فكر الحركة إلى منابع الفكر الباطني البعيد عن نور الوحي والمتمثل في عقائد الديانات الشرقية من الهندوسية والطاوية والبوذية وفي بعض فلسفات الإغريق والفراعنة. ذلك الفكر الذي سبق وأن تغلغل في العقائد السماوية وأفسد جوهر التوحيد عند من تأثروا به. وتمثّل بوضوح في الطوائف الغنوصية في الديانة النصرانية، وطوائف القبالة في اليهودية.
وتستَّر بثوب الإسلام في نهاية القرن ( الأول الهجري/السابع الميلادي) وبشكل أقوى في (القرن الثاني الهجري/الثامن الميلادي) مع تزايد الداخلين في الإسلام وبتأثير الترجمة المضللة لمفاهيم الفلسفة الإغريقية التي لفقت بين العقيدة الصحيحة والفلسفة الضالة فنشأت كثير من الفرق الغنوصية في صورة مذاهب التصوف والتشيع الغالي والقرامطة والإسماعيلية والزنادقة المتأثرين بالمانوية والصابئة المندائية([i]).
ولئن كانت جذور فكر الحركة تعود إلى تلك الجذور البعيدة، إلا أن نشأتها باعتبارها حركة معاصرة يعود إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي عندما تبنى عدد من مفكري الغرب الفكر الباطني كخروج على الفكر النصراني، ومحاولة لتفسير طبيعة الإنسان والخلاص بطريقة أخرى تركز على "الغنوص والحكمة" كنموذج للخلاص الفردي بدلا من انتظار مخلص كوني مبعوث من مصدر خارجي. وقد تكوّن بتأثير هؤلاء المفكرين أربع حركات دينية متزامنة تبنت الأصول الفلسفية الباطنية بأشكال مختلفة وأسهمت فيما بعد في تكوين فكر ومنهج حركة العصر الجديد ، وفيما يلي تعريف بهذه الحركات:
1. حركة " الفلسفة المتعالية " Transcendentalism: وتُعد أول حركة فكرية في أمريكا الشمالية تتأثر بالديانات الشرقية وتعتمد على ترجمات الكتب الهندوسية المقدسة، وتبنت أربع فلسفات أساسية هي : أن العلاقة بين الإله والإنسان والكون هي علاقة وحدة الوجود، وأن المعرفة الحدسية الداخلية التي تأتي من وراء نطاق عمليات الفكر والحواس الخمس والقوى العقلية عن طريق (العرفان الغنوصي) والإلهام المباشر مقدسة لكونها فيض من العقل المقدس، وأن للإنسان قدرات كامنة غير محدودة، تمكنه من التعامل مع العالم الميتافيزيقي الغيبي بلا حدود. وأن التناغم مع الطبيعة([ii]) هو طريقة الحياة الفضلى .
بدأت بوادر الحركة بين طوائف "الموحدين"([iii]) Unitarian في الولايات المتحدة الخارجين عن الكنيسة النصرانية التقليدية، وكان"رالف إمرسون" Ralph Emerson (1803 -1882م ) هو الشخصية القيادية لهذه الفلسفة التي أصبحت حركة فلسفية أدبية، ودينية اجتماعية معًا وبلغت ذروة انتشارها في الأربعينيات من القرن التاسع عشر الميلادي([iv]).
2. حركة "الفكر الجديد" نيو-ثوت New Thought: التي ظهرت على يد فينياس كويمبي phineas Quimby (1803-1866م) كامتداد لفلسفة فرانز مزمر mesmer (1734_1815م) الطبيب الألماني النمساوي الذي اشتهر بأنواع من العلاج الروحي الجماعي الذي يؤدي إلى حالات وعي مغيّرة، تظهر فيها قدرة فوق عادية له ولمرضاه كالتخاطب مع الأرواح، ومعرفة أحداث ماضية ومستقبلية، ويقوم علاج مزمر على التنويم والمغناطيس في محاولة منه لإعطاء تفسير علمي لما يحدث مبني على ما يؤمن به من "الطاقة الحيوية"([v]) life Energy Force التي يرى أنها المسببة للشفاء والسعادة، والتي عرفها بأنها: سائل لطيف غير مرئي نافذ عبر الكون، تتفاعل بواسطته جميع الأجسام الأرضية والسماوية، وأنه يمكن توجيهه والتأثير عليه بطرق خاصة. وأن تدفق هذه الطاقة في الجسم يولد الصحة والحيوية بينما يؤدي تعثر انسيابها إلى المرض والخمول. وقد تبين للعلماء أن ما يقوله مزمر مجرد ادعاءات لم يثبتها العلم، ويشوبها كثير من الدجل، وأنها مستقاة من إيمانه بالفلسفة الشرقية([vi]).
وقد مزج فيناس مؤسس حركة "الفكر الجديد" بين ممارسات مزمر وأفكاره وبين الفلسفة المثالية التي تعتبر العقل والفكر أصل الحقيقة وهو سر([vii]) القوة المسببة وراء الكائنات المادية والأحداث والظروف، وكوّن من ذلك أصول حركة "الفكر الجديد" التي انتشرت كحركة اجتماعية، وأنشأت فيما بعد العديد من المراكز والمعابد وبعضها تحت اسم الكنائس ([viii]).
3. حركة الأرواحية Spiritualism: في القرن الثامن عشر الميلادي ظهر عالم الجيولوجيا والمعادن السويدي إيمانويل سويدن بورغ Swedenborg ( 1688_1772م) الذي اهتم بالتعامل مع الأرواح – بحسب السياق الباطني- وحاول تفسير الغيبيات كالموت والجنة والنار والروح وغيرها تفسيرًا يجمع بين الدين والعلم حسب ادعائه. وقال أن نصوص الكتاب المقدس عند اليهود والنصارى تمثّل رموزاً وإشارات تدل على باطن تجلى له عن طريق عرفان خاص فاض عليه أثناء تأملاته واتصاله بالأرواح! وادعى سويدن بورغ أن الإله اختاره ليشرح للعالم هذه المعاني الروحية الباطنية لظاهر الكتاب المقدس.
وكانت أبرز أفكار بورغ وكتاباته تؤكد على أهمية التعامل مع الأرواح ومخاطبتها لمعرفة الحقيقة المغيبة، وتبين نظرته وتفسيره للحقائق الغيبية بطريقته الباطنية ومن ذلك تفسيره للجنة والنار على أنها حالات وعي ذهنية يمكن الوصول إليها من خلال "السفر خارج الجسد" وحالات "التأمل الروحاني" ([ix])وغيرها.
هذا وقد انتشرت أفكار سويدن بورغ في كل أوربا نظرًا لمكانته الاجتماعية عند حكام السويد، ثم انتشرت في أمريكا في القرن التاسع عشر الميلادي حيث كثرت ممارسات استحضار الأرواح والاستعانة بها عن طريق الكتابة لها ومخاطبتها أوالدق الرتيب الذي يستعان به في التنويم المغناطيسي([x]). إلا أن حركة الأرواحية فقدت صيتها في جانب الممارسة بعد أن تم في أكثر من موقف كشف زيف ممارسات الأرواحيين للعامة وتنبيههم أنها مجرد خداع للبسطاء([xi]).
4. جمعية"الثيوصوفي"Theosophy : وهي جمعية أسستها هلينا بلافاتسكي Blavatsky (1831- 1891م ) في نيويورك بأمريكا الشمالية بثلاثة أهداف معلنة :
1. اكتشاف القوانين التي تحكم الكون والقوى الكامنة في الإنسان([xii]).
2.الدعوة إلى الأخوة الكونية بتناغم الإنسان مع الكون([xiii]).
3.دراسة الأديان القديمة والحديثة والفلسفة والعلوم دراسة مقارنة.
وأصل كلمة الثيوصوفية Theosophy مأخوذ من الكلمتين اليونانيتين ثيوس theos بمعنى "إله"، وصوفي sophy بمعنى الحكمة، فالكلمة بمجملها تعني: حكمة الآلهة أو الحكمة الإلهية([xiv])، وقد كانت كلمة sophy تطلق عند اليونان على مذهب يؤمن أتباعه بوحدة الوجود ويرونها الحقيقة المجردة([xv]).
وقد أكدت بلافاتسكي في تصريحاتها وكتاباتها على وحدة الأديان جميعها في الجوهر والغاية، ونظرت إليها بوصفها نتفًا مختلفة الأشكال والألوان من نور الحقيقة الإلهية الواحدة "وشبَّهتْ الثيوصوفيا بالشعاع الأبيض للضوء وكلَّ دين له لون من ألوان الطيف الستة لذلك هنالك أديان عديدة حقًّا، لكن الدين الشامل واحد أبدًا: إنه "دين الحكمة"([xvi]) Wisdom Religion الذي يدعى في الأدبيات الثيوصوفية بـ"الفلسفة الباطنية" Esoteric Philosophy."([xvii]) فأصل الدين في الفكر الثيوصوفي واحد هو "الحكمة الغنوصية" ، أما الإسلام واليهودية والنصرانية فتُعد عندهم ألواناً محرّفة بحسن نية من الأنبياء الحكماء رغبة في تبسيط الحكمة للعامة الذين لابد من ترقيتهم تدريجياً ليفهموا الحقيقة الواحدة ويتركوا ظاهر الأديان المختلفة .
كما أكدت بلافاتسكي أن الجمعية تسعى إلى تدريب الناس على طرق الوصول إلى العرفان (الغنوص) لهدف تعريفهم بدين الحكمة. وأكدت أنها نذرت نفسها لهذا الهدف لأنها وصلت شخصيًا مع مرشديها "أسياد الأخوية البيضاء العالمية"([xviii]) إلى هذا العرفان!
وقد تأسست جمعية الثيوصوفي على أصول فكر ومعتقدات الديانات الشرقية وبخاصة الهندوسية باعتبارها منبعا للفكر الباطني القديم، كما طوّعت لخدمة ذلك ما تؤمن به بعض النظريات العلمية كنظرية دارون التي بنت عليها بلافاتسكي نظرية في تطور الروح.
وقد كانت التعاليم الثيوصوفية تعتبر تعاليمَ سرية لا يجوز تسريبها لعامة الناس إلا أن بلافاتسكي تجرأت وأسست جمعيتها لإعلان هذه الأسرار، وتعليم العالم الغربي أن الخلاص إنما هو في الغنوص والاستنارة لا في انتظار المخلص أو الإيمان بإله ذو ذات.
ولقناعة جمعية الثيوصوفي بفكرهم وتصريحهم برغبتهم في تخليص المجتمع الأمريكي من إسار المعتقدات غير العقلانية([xix]) تصدت لهم الكنيسة وواجههم النصارى المتدينون بقوة، مما أدى لخفوت دعواتهم في وسط عامة الناس مع استمرارهم في عرض أفكارهم عن طريق الكتب والدوريات والبرامج المتنوعة.
وقد مهدت هذه الحركات الباطنية الأربعة بمعتقداتها وممارساتها ومطبوعاتها لظهور حركات أخرى تتبنى نفس الفكر بطرق جديدة فظهرت بوادر حركة "النيو-إييج" التي تعتبر آخر وأكبر الحركات الغربية الروحانية التي ظهرت كعلاج لأجيال التيه([xx]) داعية إلى الممارسات الباطنية المتأثرة بالشرق ([xxi]) .
فحركة العصر الجديد بعيدة الجذور متصلة بمنابع الفكر الباطني في جميع الديانات والفلسفات الباطلة، وهي حديثة معاصرة باعتبار نشاطها المؤسسي وبرامجها وأساليبها التي تطرح خلالها الفكر الباطني المستمد من الطوائف الباطنية
والديانات المختلفة في قوالب عصرية جديدة. وقد اتضح هذا للدارسين لفكر الحركة في الغرب، فهذا "الفاتيكان" يصدر وثيقة تحذر من أفكار حركة العصر الجديد، ويؤكد على أن الحركة ليست جديدة، وأن لها جذوراً في الحركات الباطنية القديمة كالغنوصية والقبالة والبوذية واليوغا وغيرها ([xxii]).
نشأة الحركة :
في الستينات الميلادية من القرن العشرين تكونت نواة الحركة في معهد "إيسالن" Esalen ([xxiii]) بأمريكا الشمالية الذي يحتضن الفكر الغنوصي الباطني، ويتبنى البحث في قوى الإنسان الكامنة وتتتبع العقائد والفلسفات التي تؤمن بضرورة تحرير هذه القوى من إسار المعتقدات الدينية "غير العقلانية" بتعبيرهم([xxiv])، وسعى المعهد على نشر الفكر الروحاني spirtituality كبديل عن الدين Religion بين العامة والخاصة، بطرق متنوعة ومعاصرة وجماهيرية وتطبيقية ومباشرة ([xxv]).وظهرت حركة "القدرة البشرية الكامنة" (Human Potential Movement) بريادة كارلوس كاستنيدا Carlos Castaneda (1925-1998م) ومؤسسي المعهد ، وكرست اهتمامها على البحث في هذا المجال وتتبع الدراسات والممارسات التي تخدم هذا التوجه . وقد كانت هذه الحركة وراء توسع التوجه البحثي المعاصر في الغرب عن المؤثرات الغيبية الميتافيزيقية (الماورائية) للأداء البشري بنظرة روحانية ملحدة تُغفل ما تخبر عنه الأديان السماوية عن عالم الغيب ومخلوقاته، وتعتمد على التراث الغنوصي القائم على فلسفات الديانات الشرقية وكتبها المقدسة؛ بحيث لا يمكن فهم فلسفة ورؤية كثير من الغربيين للحياة إلا بمعرفة مقومات الديانات الشرقية([xxvi]). وقد أجريت في معهد إيسالن أكثر من عشرة آلاف دراسة للتقنيات والممارسات والفرضيات في القدرات الكامنة في فترة الأربعين سنة الماضية ([xxvii])اعتمدت على تفسير الظواهر والمشاهدات بناء على المبادئ الغنوصية في الديانات الشرقية.
وهكذا فقد شكّل الفكر الروحاني الباطني أكبر امتداد فكري في الغرب في العصر الحديث، وساهم في نشأة الطوائف الروحانية المتأثرة بالشرق بسبب عدة أسباب؛ من أهمها أن الديانات الشرقية قدمت للإنسان الغربي روحانية خالية من أي التزامات أخلاقية أو شرعية، وهي ما كان الغرب ينشده نظراً للجفاف الروحي في الديانات المحرفة، وعدم رغبة الغربيين بالتقيد بأية حدود أخلاقية لاعتيادهم على حرية مطلقة لشهواتهم . إضافة إلى رغبة كثير من الغربيين في التعرف على طرق بديلة للتلاعب بالوعي بدون تعاطي العقاقير بعد أن عرفوا أضرار المخدرات التي يدمنون عليها، وهو ما تدّعي الروحانيات الشرقية تقديمه عبر طرقها الباطنية الرامية للوصول إلى حالات متغيرة من الوعي يفقد معها الإنسان وعيه وإحساسه بالحزن أو الألم. هذا ما دلت عليه الإحصاءات حيث أن 96,4 ٪ ممن ينتمون إلى الطوائف الروحانية المتأثرة بالديانات الشرقية سبق لهم استخدام المخدرات قبل انضمامهم إليها([xxviii]).
في هذه الأجواء تكونت بذرة حركة العصر الجديد عندما تبنت طائفة جديدة في المعهد نشر الفكر الروحاني وتطبيقاته تسمت فيما بعد New Age Movement، ولم تبرز الحركة كدين أو فكر جديد، وإنما ظهرت في صورة طائفة تدعو للروحانيات من أجل الحب والسلام والإيجابية. ولم تقدِّم الحركة ببرامجها جديدًا، وإنما عمدت إلى بعث مجموعة من طقوس الأديان الشرقية واعتقاداتها، وجددت قوالب تقديمها للناس وابتكرت طرقاً متنوعة لتسويقها ونشرها.
وقد اعتُبِرت حركة العصر الجديد حركة تجديدية منبثقة مباشرة عن حركتي الثيوصوفي Theosophy وحركة الفكر الجديد New Thought ([xxix]) ، وكان من أهم ما يميزها أنها ترى أن عصر التلقي من مصدر خارجي (الله) والتطبيق لأوامر خارجية (الدين) قد انتهى، وأن العصر الجديد يستطيع الإنسان فيه مع الطبيعة والعقل والقدرات غير المحدودة له أن يصنع حياته ومستقبله كما يريد فيكون هو الإله لنفسه ! ويؤكد رواد الحركة أن برامج حركة "العصر الجديد" تضمن إشراك الإنسانية جمعاء في فكر واحد وممارسات واحدة دون تمايز بينهم بسبب تنوع أديانهم ، ذلك التمايز الذي لم يسبب على مدى العصور السابقة – بزعمهم – إلا الحروب والكراهية .
وهكذا سعت حركة العصر الجديد الباطنية لنشر الفكر الغنوصي القديم، ولكن دون مصادمة للفكر الديني أو مواجهة له كما فعلت جمعية الثيوصوفي في السابق، وإنما بمداهنة الدين ومزاحمته على طريقة الباطنية القديمة([xxx])، لذلك لا يُهتم في سائر برامج الحركة وأدبياتها بما يوجد أو يبقى في أذهان الناس من معتقدات الديانات السماوية وغيرها، بل قد يوافق رواد الحركة ويستحسنون ما يظهره الناس خلال البرامج التدريبية من عقائدهم وأديانهم! وينصب اهتمام رواد الحركة فقط على ما يضاف إلى العقول من أفكار ومفاهيم وفلسفات جديدة لقناعتهم بأن منهجهم الجديد بتقنياته وبرامجه المؤثرة مع الزمن كفيلان بترسيخ المفاهيم الغنوصية الجديدة وتلاشي المفاهيم الدينية القديمة([xxxi]). وقد سعى مفكرو المعهد لجمع شتات الفكر الباطني من غنوصية النصارى وقبالة اليهود وباطنية الفلاسفة والمتصوفة من المسلمين، ودمجوا معها ممارسات أديان الشرق من بوذية وهندوسية وطاوية وغيرها لهدف التحرر من الانتماء والمشابهة لدين محدد، وبغية تقديم برامج تناسب جميع الثقافات ويمارسها أتباع جميع الديانات . وأنتج المعهد قوالب جديدة لنشر الفكر وتطبيقاته كممارسات يومية في مختلف جوانب الحياة .
إذاً في معهد إيسالن تكونت بذرة حركة "النيو-إييج"ووضعت اللبنات الأولى لطرق نشر فكرها؛ فصُممت عشرات البرامج والتدريبات الحيوية،وجُمعت عشرات الممارسات الحيوية والاستشفائية الروحانية التي تتنوع لتلبي اتجاهات الناس المتنوعة فتضمن بذلك انتشاراً واسعاً. وانتشر حملة الفكر الباطني الجدد (النيو-إييج) في أنحاء أمريكا لنشر فكرهم في قوالب تدريبية تجعل الفكرة منهج حياة، وتترجم المبادئ إلى أعمال وممارسات. وتكّونت لنشر هذه التدريبات والدورات والأفكار وترويجها عشرات المؤسسات الخاصة داخل وخارج أمريكا من أشهرها مؤسسة "فايند هورن" ببريطانيا([xxxii]).
والخلاصة إن حركة العصر الجديد هي نشاط مؤسسي معاصر تبنى نشر الفكر الغنوصي القديم كسائر الحركات والطوائف الباطنية([xxxiii])، فالفلسفة اليونانية والفلسفات الشرقية والغنوصية هي أساس فكر الحركة ومعتقداتها وتصوراتها للوجود والكون والحياة والإنسان والعلاقة بينهم، كما أنها تعتمد الحدس وحالات الوعي المغيرة طريقاً لمعرفة الحقائق المغيبة. وهي كذلك تسعى لنشر الفلسفة الباطنية ومنهج العرفان الباطني بين عوام الناس بطرق حديثة تناسب توجّهات الناس ورغباتهم في العصر الحديث؛ فتُقدَّم لهم تحت شعارات الصحة والسعادة والإيجابية والتغيير ونحوها، وتحت مظلات البرامج التدريبية والعلاجية والتنموية.
المبحث الثاني/ أهم المبادئ والمعتقدات:
حركة العصر الجديد -كما سبق بيانه- هي امتداد للتيار الباطني، والعقائد الباطنية بعامة ترتكز على الإيمان بقابلية الإنسان للتألّه لاعتقادهم بأن الألوهية هي الكمال المطلق أو (الاستنارة)، وهي مرتبة يصلها الإنسان بمجاهدات معينة.
وتتلون هذه العقيدة وتتنوع طرق التعبير عنها بحسب المكان والزمان الذي تظهر فيه لتناسب الاعتقاد بوجود إله حق تدل عليه الفطرة والعقل الصحيح، والاعتقاد بوجود (الله) الذي يدل عليه النقل الصريح، فتظهر في شكل عقيدة "وحدة الوجود" التي تفُسَّر على أنها المعنى الحقيقي للتوحيد الذي جاءت به الرسالات، وتظهر في قالب "الحلول والاتحاد" على أنها طريق الوصول للاستنارة والعرفان الإشراقي (الغنوص) الذي هو غاية الحياة في الفلسفة الباطنية، قال ابن تيمية (ت.728هـ) عن الفلاسفة الباطنيين:"يظنون أن كمال النفس في مجرد العلم، ويجعلون العلم الذي به تكمل النفوس مايعرفون هم من علم مابعد الطبيعة"([i])
ومن خلال ملاحظة برامج الحركة وفحص أدبياتها أن إيصال الناس إلى الغنوص الإشراق والعرفان الباطني هو غاية مرادها لأنه الطريق إلى تبني مجموعة المبادئ والمعتقدات التي تتبناها الحركة وتحرص على نشرها وتسريبها للناس خلال برامجها وأدبياتها والتي تتلخص في العقائد التالية :

· الاعتقاد بأن الكل واحد، فكل شيء هو الإله والإله هو كل شيء.
· الاعتقاد بأن الإنسان هو الإله أو جزء من الإله على اختلاف التصورات الضالة لديهم عن الإله وحقيقته وأسمائه :المطلق أوالكلي أو الوعي الكلي أوالعقل الكلي أوالطاو أو القوة العظمى وغيرها.
· الإنسان لا يموت وإنما يستمر في الحياة (الدهرية) من خلال التقمص والتناسخ.
· الإنسان يخلق واقعه الخاص وقيمه ومعتقداته ويحقق مراده خلال حالات الوعي المغيرة التي يدخل فيها([ii]).
وهذه المبادئ والعقائد هي أجزاء أو صور متنوعة مأخوذة من عقائد الضلال والكفر المعروفة بزيفها وباطلها عند أهل الإسلام ، وهي :
عقيدة وحدة الوجود:
أو مايسمى بعقيدة "تأليه الطبيعة"أو "تأليه الوجود"، ومفادها الاعتقاد بأن الوجود شيء واحد (كلي واحد) سواء كان "عقلا كلياً" أو "وعياً كاملا" أو "طاقة كونية" أو"قوة عظمى" وأن كل ماهو موجود إنما هو انطباع لذلك الكلي، وتجلٍ له فليس في الوجود شيء غيره. وهذه العقيدة هي أصل فكر أديان الشرق الكثيرة بأسمائها المتنوعة: الطاوية والبرهمية والبوذية وغيرها. وهي العقيدة الذي تبناها كثير من فلاسفة اليونان وملاحدة الفلاسفة والطوائف الغنوصية على مر التاريخ . وهي"عقيدة وحدة الوجود" المعروفة بضلالها عند علماء المسلمين إلا أن من يتبناها من المسلمين يؤمن بالله ويجعله هو عين الوجود وكل ما سواه ليس إلا هو، تعالى الله عما يقولون علوا كبيراً([iii]).
ويعد هذا المعتقد من أبرز معتقدات حركة العصر الجديد، وهو ظاهر في معظم ممارسات الحركة وأدبياتها؛ حيث يكون الحديث عن الإله هو حديث عن الإنسان أو العكس . فلا وجود في معتقدات الحركة لإله له ذات وإرادة، بائن عن خلقه، خالق للكون ومدبر له، وإنما يفسرون كلمة "الإله" بتلك الطاقة الكونية المتغلغلة في الكون والمتحدة به. ولا فرق عندهم بين العالم والإله؛ حيث الكل هو الإله في صور وتجليات متنوعة. فالعالم والإنسان هم جزء من الإله أو تجل من تجلياته، والحديث عن فرق بين الخالق والمخلوق تعتبره الحركة ثنائية مرفوضة تنافي التوحيد الذي يعتقدونه .
عقيدة تناسخ الأرواح:
عقيدة تناسخ الأرواح هي الاعتقاد بانتقال الروح بعد الموت من بدن إلى موجود أعلى أو أدنى؛ لتنعّم أو تعذّب، ،جزاء سلوك صاحبها الذي مات بدنه فتكفّر سيئاتها وتكتسب ما يكمّلها في حياتها الجديدة. ويستمر التناسخ حتى تتطهّر النفس فتنعتق من تكرار المولد([iv]).
وأصل القول بالتناسخ مأخوذ من ملل الهند فهو عَلَم على الهندوسية والبرهمية. وتشير دراسات الباحثين إلى أنّه معتقد الطاويين وقدماء الفراعنة واليونانيِّن والفرس كذلك، وقد تسرّبت ضلالته إلى بعض اليهود والنصارى، وبعض المنتسبين إلى الإسلام([v]) لما انحرفوا عن معاني الإيمان بالغيب، ومنهج التلقي للوحي، وتأثروا بالفكر الباطني؛ إذ جميع العقائد الباطنية ترتكز على معتقدات الديانات الشرقية الباطلة. والمتابع لبرامج وأدبيات حركة العصر الجديد يلحظ بوضوح تغلغل هذه العقيدة،بل لا يمكن فهم فلسفة الحركة إلا بمعرفة معتقد تناسخ الأرواح الذي يظهر بشكل جلي في كثير من الممارسات والأساليب العلاجية التي تنتجها الحركة أو تتبناها الحركة ([vi]).
الإلحاد والكفر بالله: الكفر بالله وإنكار وجوده U ومنازعته في الربوبية والاعتقاد بالنجوم وتأثيرها سعداً ونحساً وغير ذلك من أنواع الكفر تعدُّ مبادئ أساسية في فكر الحركة، وإن كان القول بها ليس ملزمًا لأتباع الحركة ولكنه النتيجة التي تقود برامج الحركة إليه في محصلتها النهائية، فحركة العصر الجديد تظهر على أنها حركة اجتماعية جماهيرية ولا تهتم بكل ما يقوله الأتباع وما يعتقدونه، وتهتم فقط بما تضيفه إلى فكرهم من قناعات، وإلى حياتهم اليومية من ممارسات تثق بأنها مع الزمن كفيلة بإعادة صياغة فكرهم وعقائدهم.
ولا حاجة للوحي في عقيدة الحركة فالإنسان هو الذي يخلق محيط حياته ويتحكم بمستقبله وصحته وسعادته عن طريق قوة عقله الباطن ([vii])، فالإنسان والإله شيء واحد- في اعتقادهم – أو يمكن أن يكونا شيئاً واحداً من خلال برامج الحركة المنتقاة التي تساعد الإنسان على اكتشاف أصله الإلهي وتنميته ليصل إلى الخلاص الحقيقي والعرفان ([viii]).
عقيدة وحدة الأديان:
وهي عقيدة رئيسة في عامة الديانات والحركات الباطنية، لأن الباطنيين يرون أن جوهر الدين واحد هو ما ينص عليه المنقول الباطني في جميع الأديان، وهو دين الحكمة ، وتؤكد الحركة في أدبياتها على أن الغيبيات الدينية :الله والملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر والقدر أمور لا تتعدى كونها تصورات ذهنية بحتة قد تفيد من يعتقد بها، إلا أنه ليس لها في الواقع حقيقة ثابتة! وإنما الرسل صلوات الله عليهم قد خاطبوا أممهم بما يسهل فهمه على العموم فضربوا لهم أمثالاً متنوعة تتناسب مع تفاوت العقول والأزمنة والأماكن أما الحقيقة فهي سر أزلي عرفه الأنبياء والحكماء فقط! والحركة اليوم تكشف هذه الأسرار وتجعل الوصول لها متاحاً لكل أحد لنضوج البشرية وعدم احتياجها للأديان الصورية التي كان الأنبياء يقنعون بها أتباعهم لمناسبتها لهم فيما مضى من الزمن! فدين الحكمة الذي تقدّمه الحركة للبشرية اليوم هو حقيقة كل الأديان- زعموا- وهو الذي يسبق جميع الأديان، وأسسه وعقائده وطقوسه موجودة متوارثة في المنقول الباطني المأخوذ من كل المذاهب والأديان في الشرق والغرب الذي سعت الحركة لجمعه من الأصول المتفرقة وصهره في بوتقة واحدة! ثم تقديمه للناس في برامج جديدة تحمل روحانيات العصر الجديد([ix])وتدرب على منهج جديد للحياة بعيد عن محدودية الأديان .
العقائد الهرمسية Hermticum:
الهرمسية هي مبادئ واعتقادات موجودة في عدة كتابات ورسائل مشكوك في مصادرها تعود إلى القرنين الثاني والثالث بعد الميلاد. وهي تعكس في مجموعها جوا من التلفيق بين المذاهب الفلسفية اليونانية والشرقية وتعاليم بعض الأديان.
وتعدّ الآراء الفلسفية الواردة في الكتابات الهرمسية خليطاً من الفلسفة الأورفية والفيثاغورية والأفلاطونية والرواقية والفيزياء الأرسطية والتنجيم الكلداني التي تكوّن في مجموعها معرفة خاصة يزعم أصحابها أنهم نطقوا بها عن وحي إشراقي، وأن هدفهم هو خلاص الإنسان. وتتضمن هذه الكتابات تقرير وجود إله على قمة الوجود، وهو لا يمكن وصفه ولا معرفته، ويفسر تارة على أنه الكون نفسه أو الإنسان، وحينا يصفونه بأنه "الأب"، كما تتضمن الكتابات التعريف بالنفس الإنسانية على أنها أرواح هبطت من الأفلاك السماوية ويمكنها التحرر والعودة إلى هناك، لا بفضل طقوس سحرية، ولا بفضل مخلّص مرسل، بل بقوة المعرفة (الغنوص) ([x]).
وتعتمد برامج حركة العصر الجديد المتنوعة كالماكروبيوتيك والهونا والفونغ شوي على كثير من هذه الآراء وتعتمد منهجها وطريقتها وفلسفتها وأسرارها لتحصيل المرغوبات المختلفة .
تعظيم الذات الإنسانية وتأليهها:
وفقًا لأصول العقائد الباطنية فحركة العصر الجديد تنظر إلى الإنسان على أنه مُوجِد، فهو الذي يخلق محيط حياته، ولا حاجة له بشيء يأتي من خارج نفسه، فباستطاعته عن طريق تعديل حالته الذهنية أن يتحكم بمستقبله، ويصنع واقعه وصحته وسعادته، ويتحكم بحياته بعد الممات، كما أنه بإمكانه -في نظرهم- أن يصل إلى الكمال المطلق! ويرجع ذلك إلى الاعتقاد بأن الإنسان يولد بشرارة إلهية، لا بد له من الكشف عنها وتنميتها ليتحقق اتحاده مع الكل([xi]). وقد مثلت هذه الفلسفة في العصر الحديث توجهًا قويًا في الغرب تكونت لدراسته وتنميته مدراس وحركات بغية الوصول إلى ما يسمونه "الإنسان الكامل" صاحب القدرات الخارقة في التأثير، ومن أشهرها حركة القدرة البشرية الكامنة Human Potential Movement وحركة الوعيconsciousness movement وتبنى نشره بين الناس عدد من الحركات الباطنية كحركة الفكر الجديد New Thought وجمعية الثيوصوفي Theosophy وأخيرًا حركة العصر الجديد New Age.
ومن المهم الذي ينبغي أن يتذكره الباحثون والمتابعون للحركات الباطنية أنها تتبنى عقائد سرية باطنية متلونة ومتناقضة أحياناً، ولا تواجه الحق في الظاهر وإنما تُظهر التوافق معه وتعتبره ظاهراً لا بأس من قبوله وتفسيره بباطن تشرحه هي وتدعو إليه، فعلى سبيل المثال يستخدم المتبنون لفكر الحركة الألفاظ والمصطلحات الدينية وأهمها مصطلح الألوهية ولفظ الجلالة (الله) ولكن على معنى أنه الإنسان، أو القوة المطلقة، أوالطاقة الكونية المبثوثة في الكون، فالمصطلحات الدينية يستخدمها مروجو برامج الحركة لدى أصحاب الديانات السماوية ولكن في سياقات باطنية، وعلى تصورات إلحادية مستقاة من معتقدات الشرق والغنوصية؛ مما يؤدي إلى اشتباه الأمور على بعض المسلمين ووقوعهم في لوثات الفكر الباطني، أو تحيّر كثير منهم في فهم حقيقة الروحانيات المعاصرة وحركاتها وتطبيقاتها، وتبني بعض أدبياتها لعدم ملاحظة كونها باطنية صفتها الخفاء والتلون والمخادعة.
المبحث الثالث -- طرق نشر الفكر وأبرز برامجه التطبيقية :
إن بذرة حركة "النيو-إيج" تكونت في الغرب النصراني، وهناك أيضاً وضعت اللبنات الأولى لطرق نشر فكرها؛ فأنتج معهد "إيسالن"_ محضن الحركة_ عشرات البرامج التي تقوم في أصلها على عقائد الغنوص"الروحانيات" وتحوي من العقائد والمبادئ المتنوعة والمتناقضة أحيانًا، وتم تصميمها بعناية وربطها بمجالات الحياة المختلفة كالصحة والرياضة والتطوير والعلاج وهندسة الديكور وتصميم المنازل وغيرها؛ لتوافق احتياجات أكثر الناس ومن ثم انتشرت على نطاق واسع بينهم.
كما تم تسويقها بشكل برامج متعددة المستويات تضمن زرع الفكر والمبادئ في نفوس وعقول المتدربين بتدرج لا يواجه أي معتقدات دينية لديهم وإنما يداهنها ويوافقها ثم يزاحمها ويقصيها([i]).
وقد تكّون لنشر وترويج فكر الحركة وممارساتها العديد من المؤسسات الخاصة وانتشر حملة فكر (النيو-إييج) في أنحاء أمريكا لنشر فكرهم وخرجت الفكرة إلى بريطانيا وأوربا ومن أشهر المؤسسات الأوربية في هذا المجال مؤسسة "فايند هورن" ببريطانيا، ومع الانفتاح الثقافي الكبير وفي ظل مد العولمة وصلت برامج الحركة بما تحمله من فكر إلى البلاد الإسلامية خلال الخمس عشر سنة الماضية وانتشر تبعا لذلك كثير من فكر ومعتقدات الحركة تحت ستار التطبيب البديل والتدريب المعتمد بنظام المستويات المتعددة([ii]).
ولا يزال معهد إيسالن يطور أبحاثه، ويغيّر إطار أفكاره بحسب نتائج مايرى في واقع الناس وقبولهم، ولذلك ففي قاعاته اليوم وبرئاسة أحد مؤسسيه مايكل ميرفي Michael Murphy تعاد دراسة الفكر الغنوصي الملحد وإعادة تشكيله ودمجه مع عقائد الحلول والاتحاد بدلا من الإلحاد المحض لتناسب اعتقاد أكثر الناس اليوم بوجود إله، ورغبتهم في الطلب منه، والاتصال به.كما أن المعهد يشترك اليوم في نشاط تتبناه جامعات ومراكز أبحاث ومؤسسات فكرية في الغرب للبحث في المؤثرات الغيبية في ممارسات وطقوس الأديان الشرقية والفرق الصوفية ووثنيات القبائل الهمجية في استراليا وهواي وسيبيريا وغيرها ويُخشى أن تخرج نتائج هذه الدراسات وتنشر على أنها علم وتجارب ودراسات محايدة فتلبّس الحق بالباطل، وهي ليست علماً وإنما فلسفة تهمّش الوحي الذي هو المصدر الوحيد الصحيح عن عالم الغيب ،لا يمكن معرفة حقائق المؤثرات الغيبية إلا من خلاله .
ومن الملاحظ أن حركة العصر الجديد تميزت عن غيرها من الحركات الباطنية الحديثة بمحاولة إضفاء الصبغة العلمية على كل الممارسات الباطنية التي تتبناها، ومن ذلك إضفائها صفة العلم على الكهانة والتنجيم والسحر، بل وصياغة مبادئ هذه الأمور وتعليمها للناس على أنها مهارات تكتسب عبر دورات تدريبية للتنمية البشرية([iii])، ورغم حرص الحركة الشديد على كسب احترام الأوساط العلمية إلا أنها رُفضت عند العلماء والجامعات ولم يقبلها إلا عدد قليل ممن تبنى فكرها ومعتقدها لعدم موافقة دراساتها وأبحاثها للمنهج العلمي الصحيح([iv]) إلا أن الاتجاه العام في العالم الغربي اليوم لقبول الروحانيات والاعتراف بتأثيرها ووجودها يوسع بشكل كبير دائرة المؤمنين بها أو الممارسين لبرامجها دون فهم لحقيقة ما يحدث ومتعلقات ما يمارسون
.

وهكذا فإن حركة "العصر الجديد" لم تأت في الحقيقة بجديد يذكر، فبرامجها إنما هي إحياء وبعث وتجديد لمجموعة مبادئ وتقاليد وطقوس شرقية ووثنية، ولكن الحركة قدمتها للعالم الغربي في صورة تدريبات للحصول على قدرات بشرية خارقة وروحانيات. كما أن الحركة لم تبرز كدين جديد، وإنما مثلت امتدادًا للتيار الباطني فتغلغلت في المجتمعات وتبنّى برامجها وفكرها مجموعات من أتباع جميع الديانات لكونها عرضت بشكل منهج جديد يقبل الاعتقادات المختلفة ويوفِّق بينها بحيث تظهر برامج الحركة كأنها تتناسب مع المعتقد الديني على تنوعه بل وتربطه بالمعتقدات والفلسفات الأخرى فيظهر حلقة من سلسلة كاملة! وتدعمه بمزيد من الروحانيات!
ومن هنا يمكن القول أن انتشار معتقدات حركة "العصر الجديد" في الغرب كان وراءه غنى الحركة بروحانيات الشرق، وموافقة ذلك للجفاف الروحي عند أصحاب الأديان المحرفة في الغرب، دون إلزامهم بأية لوازم دينية محددة أو مناقشة أي عقائد يعتقدونها. كما أن وسائل الاتصالات الحديثة ساهمت في سرعة انتشار هذه الأفكار فتجاوزت حدود أمريكا إلى أوربا ثم دخلت إلى بلاد الإسلام على يد من انخدعوا بظاهرها التدريبي في خضم الاهتمام المتزايد بالتنمية البشرية حيث قُدمت برامج الحركة تحت اسم الدورات التدريبية([v]) مختلطة بدورات تنمية المهارات، أو تحت اسم العلاجات والاستشفاءات البديلة، كما أُلفت عشرات الكتب، وأُعدت الصوتيات لنشر فكر الحركة بصور شتى. وتحمل جميع هذه البرامج والكتب أسماء مجملة وألفاظ ملتبسة غامضة توحي بالاتصال بالعلم وفروعه وتشتبه بأمور معروفة عند الناس مثل: البرمجة اللغوية العصبية والتنفس العميق والتنفس التحوّلي والتأمّل الارتقائي والاسترخاء والطاقة والتفكير الايجابي، وهندسة النفس، والحرية النفسية، والعلاج بخط الزمن وقانون الجذب وقد روجت الحركة خلال برامجها وأدبياتها لفرضيات قديمة زاعمة أنها حقائق علمية ثابتة مثل "العقل الباطن" و"وعي الجمادات والنبات".
وفيما يلي تعريف موجز بأشهر عناوين برامج الحركة :
- الطاقة:
الطاقة المقصودة في هذه البرامج هي ما يسمى في الفلسفة الشرقية "كي ki وتشي chi-Qi والطاوTao والماكرو Macroوالبرانا Pranaومانا " Mana وفي الفلسفة الغربية الروحية وبرامج العصر الجديد تسمى إضافة لأسمائها الشرقية بأسماء علمية نحو منها "قوة الحياة" أو "الطاقة الكونية"([vi]). وحقيقة هذه الطاقة فلسفة لا علاقة لها بالطاقة الفيزيائية، فهي اعتقاد بقوة عظمى خلف كل شيء يقابل الاعتقاد بالإله عند أصحاب الديانات السماوية. وهي أول ما ينبغي أن يؤمن المتدرب به، وبأهميته وقوته، ويمارس كيفية الشعور به، واستمداده، وفعل ما يساعد على تدفقه في جسده، واتحاده به، ويتجنب ما يباعد بينه وبينه. وفلسفة الطاقة الكونية مستمدة من أصل الفكر الفلسفي الغنوصي الذي يفسر الوجود والكون والحياة والإنسان بعيدا عن هدى الوحي. وتمثّل الطاقة الكونية– عند معتقديها- القوة المطلقة في الكون، ويعدون كيفية استمدادها والتناغم معها هو السر الذي كان الباطنيون الأوائل يحتفظون به لأنفسهم ولكن حركة العصر الجديد جعلته في متناول جميع الناس دون تمايز ديني وبطرق متنوعة. وتشتمل جميع البرامج المقدمة باسم الطاقة على نسب متفاوتة أصل من الفلسفة الباطنية، وفيها تشرح أهم العقائد الشرقية على أنها حقائق كونية عن أصل الكون ونشأته وانقسامه لثنائيات عظيمة يسمونها (ين/يانغ) مؤثرة في كل جوانب الحياة، جاء في كتاب الوجوه الأربعة للطاقة : "في بداية الأمر لم يكن هناك سوى الذي هو، فأراد أن يعُرف لأن الشيء إذا لم يعرف فكأنه غير موجود، فأفاض الكون فأصبح الكون هو وهنا وهناك ....."! ([vii]) .كما يُشرح في هذه الدورات أصل الإنسان والمؤثرات الماورائية فيه من منطلق مادي وفلسفي مستمد من الفلسفة الشرقية بعبارات علمية وأجواء تدريبية لضمان الإيمان بها وممارستها، ومن ذلك فلسفة "الأجساد السبعة" وخصائص "الجسم الأثيري"التي مفادها الاعتقاد بوجود أجسام سبعة لكل الكائنات ومنها الإنسان أولها الجسم البدني وأهمها الأثيري ويقع على هذا الجسد جهاز متكامل يمكن تنفذ من خلاله الطاقة الكونية للجسم البدني وسائر الأجساد وتمنحه السعادة والصحة وتقوي لديه الحاسة السادسة التي تمنحه قدرات خارقة في التأثير والعلم ونحو ذلك([viii]).
ويُدرب المتدربون في برامج الطاقة التدريبية على كيفية ممارسة الطقوس التي تمكنهم من فتح منافذ الطاقة في أجسادهم (الشاكرات) Chakrasوالحصول على كميات أكبر من طاقة قوة الحياة، أو الاتحاد بها. ومن ذلك التدرب على تمارين خاصة وترانيم ووضعيات خاصة هي في الحقيقة طقوس وعبادات ورياضات روحية يستخدمها كثير من الباطنيين على اختلاف دياناتهم لاكتساب قوة فوق عادية في التأثير والشفاء حتى أنها سبب لتحصيل قوة إبراء وشفاء للنفس والآخرين بمجرد اللمس! ([ix])
وملاحظ أن تقديم هذه الفلسفة باسم "الطاقة" الذي يشتبه بالمصطلح العلمي المعروف في العلوم الطبيعية جعل المتدربون يعتقدون أنها علماً، وينفون كونها دينا أو معتقداً، ويحاولون فهمها بالتقريب بينها وبين ما هو معروف في العلم الفيزيائي ومصطلحاته وفروعه. كما أن تقديمها بأسمائها الأصلية في اللغات الشرقية كـ"الريكي"و"التشي كونغ"و"السياتشو" و"الفونغ شوي" و"الشياتسو" و"التاي شي"و"اليوغا" وغيرها جذب كثير ممن يرون للشرق تقدماً في الصحة وتفوقاً في أنواع الطب البديل. وهكذا راجت فلسفة الغنوص تحت هذه الأسماء في أنحاء العالم ومنه العالم الإسلامي لطلب الشفاء والتخلص من الأمراض، أو وصفات وقائية للحياة السعيدة ودوام الصحة وتحقيق السلام والإيجابية، ووجدت لها رواداً ومشجعين من المسلمين! ([x])

-التنفس التحولي والعميق Transformational Breathingالتنفس برنامج تدريبي أو علاجي من برامج العصر الجديد عبارة عن تمارين تنفس لما يسمونه طاقة البرانا الكونية أو الهو (ضمير الغائب)!
واستشعار تدفقها في الجسم، وإمدادها له بالطاقة، والدخول بعد ذلك في حالة من الاسترخاء العميق والنشوة ([i]).
وهو تدريب يُقدّم مستقلا للعلاج والصحة أو تنمية القدرات البشرية، ويُقدَّم كجزء في أكثر البرامج الباطنية الأخرى لأنه طريقة من طرق التنويم والدخول في حالات الوعي المغيّرة، وإطلاق قدرات "اللاوعي" التي تعد في جميع تطبيقات العصر الجديد مرحلة مهمة لكونها بوابة التواصل مع العقل الكلي أو اللاوعي الجمعي وهي عندهم بداية التغيير والانطلاق والفتح والعلم وتسمى "النشوة"و"الغشية" و"الخلاء"وهي ذات مايُعرف عند البوذيين والهندوس باسم "النرفانا"، وعند المتصوفة بـ"الفناء" ويسميها مروجو برامج الحركة المسلمين حالة الخشوع ([ii])! ومن العجيب أنه يتم التدريب عليه من أجل تحصيل خشوع دائم، ومن أجل التلذذ بالصلاة والعبادة، وهو أحد الأدوات في دورات أفكار إبداعية لحفظ القرآن الكريم!
-التأمل الارتقائي والتجاوزي Trancsendental Meditation أصل هذا البرنامج طقوس معروفة في الديانة المهاريشية([iii]). وهو تمارين رياضية روحية من أصول الديانات البوذية والهندوسية، هدفه الترقّي والسمو والوصول للاسترخاء الكامل والدخول في حالة من اللاوعي ومن ثم الوصول إلى النشوة "النرفانا"، والتأمل كبرنامج تدريبي ضمن برامج الحركة يعتمد على تمارين للتنفس العميق والتنفس التحولي مع تركيز النظر في بعض الأشكال الهندسية والرموز والنجوم، وتخيّل الاتحاد بها، وترديد رتيب لترانيم معينة "مانترا" منها: (أوم ...أوم ....أوم ...) أو سماع الترانيم في جو هادئ، وضوء خافت، وفي حالة تخفف من الطعام والثياب . و"أوم" في الديانات الشرقية هو الاسم الدال على الثالوث المقدس :الخالق والهادم والحافظ. ويعد ترديده سرّ قوي في تحصيل القوى الخارقة والطاقة الكونية ! تقول مريم نور أحد رؤوس الباطنية المعاصرة :"كلمة واحدة فقط تقوم بتكرارها وتكرارها، بحيث تتركز طاقة العقل كلها في هذه الكلمة وحدها، عندها تتحول هذه الكلمة إلى عدسة تجمع كل الطاقة الموجودة في عقلك مما يجعلك قوياً ومؤثراً حتى أنك تستطيع عمل المعجزات فقط بالتفكير....إذا كنت ممن يتقنون المانترا، فإنك تستطيع أن تقول للشجرة فلتموتي فإنها ستموت، كما يمكنك أن تقول لأحد الأشخاص كن معافى فإنه سيتعافى من المرض، وإذا قلت لأحدهم كن مريضا فإنه سيصاب بالمرض"!([iv])
- البرمجة اللغوية العصبية Neuro Linguistic Programming واختصارها الغربي "NLP" وقد قامت البرمجة اللغوية العصبية على تنظير ودعم jrejeory Bateson جريجوري بيتسون (1904 –1980م) أحد أبرز الباحثين في معهد إيسالن الذي عاش على المبدئ البوذية ومات في مركز "زن" البوذي بأمريكا. كما صُممت برامجها على (نمذجة) ثلاثة من كبار الباطنيين الغربيين بحيث دُرست شخصياتهم وفكرهم وسلوكهم ومشاعرهم ودرست أسباب نجاحهم وتميزهم وكيفية تطبيقهم لفكرهم وممارستهم لما يعتقدون، ودراسة تطبيقهم الناجح لأفكارهم وممارستهم لمعتقداتهم، وهؤلاء الثلاثة هم:ميلتون إريكسون Melton Erickson (1901–1980م) الذي تميز في التدريب على تقنيات الخروج من العقل إلى "حالات الوعي المغيرة" تطبيقاً مباشراً لبوذية زن التي كان من المهتمين بها. وفرتز برلز Firtz Perls (1893–1970م) أحد الباحثين في معهد إيسالن المهتمين بفلسفة "وحدة الوجود". وفرجينيا ساتير Satir(1916-1988م) المعالجة التي تميزت في مجال التأثير على الآخرين، وعملت بمعهد إيسالن من عام 1966م، وأسست أحد أكبر مراكز "النيواييج" في أمريكا (مركز آفانتا)Avanta cantr وتتبنى فرجينيا الفكر الفلسفي الشرقي حتى أنها طلبت حرقها بعد وفاتها وبث رمادها - على معتقد الهندوسية في محاولات النجاة من جولان الروح حسب عقائد الهند - وتم حرقها بالفعل([v]).
والبرمجة اللغوية العصبية كبرنامج تدريبي تحتوي على خليط من العلوم والفلسفات والاعتقادات والممارسات، تهدف تدريباتها لإعادة صياغة صورة الواقع في ذهن الإنسان، بحيث تصبح داخل الفرد وتنعكس على تصرّفاته. وهي برنامج انتقائي eclecticقائم على بعض الفرضيات والنظريات تم جمعها من فروع العلم الأخرى، كعلم النفس السلوكي والمعرفي وشيء من الإدارة وغيرها؛ لذلك تشمل بعض التمارين النفسية أو العلاجية الصحيحة، غير أنها ليست منها وإنما انتحلتها من غيرها وشكّلت بها الظاهر الحسن لهذا البرنامج الذي هو تنمية قدرة الفرد على الاتصال مع الآخرين، وقدرته على محاكاة المتميزين. وتحتوي كذلك على بعض الفرضيات غير المثبتة والنظريات المرفوضة علمياً ولكن التدريب على تطبيقها يتم وكأنها حقائق علمية ([vi]). خطورة البرنامج تكمن في باطنه كسائر برامج حركة العصر الجديد فهو يُسرب مفاهيم ومبادئ متنوعة من الفلسفة الباطنية، ويتم إقناع المتدربين بالإمكانات غير المحدودة التي يمكن تحصيلها عن طريق العقل الباطن "اللاوعي" وقدراته الخارقة. وتدريبهم على الدخول في حالة اللاوعي لإحداث التغيير الإيجابي في النفس ووضع المفاهيم المطلوبة في النفس دون قيود العقل([vii]).
-الماكروبيوتيك Macrobiotics، هو الفلسفة الباطنية بعينها وشمولها، ولكن بطريقة حيوية وممارسات يومية، فتقدم الفلسفة في شكل برامج تأخذ طابع التثقيف الصحي والعلاج البديل، وتشرح فيها بشكل صريح فلسفة الحياة بالاعتماد على الإيمان بالطاقة الكونية وسرها في الحياة، وضرورة إعادة نظام الحياة والمأكل والملبس والرياضة وتصميم المنـزل بما يوصل إلى التناغم مع الطاقة الكونية والوصول للسمو الروحي والشفاء الجسدي! تقول مريم نور :"الماكروبيوتيك ليس عقيدة أو دين، إنه التدين الموجود في القلب والحب للحياة. وهو ليس فكر تصوري بل إنه يتخطى ذلك البعد. هو والحياة لا يمكن تجزأتهما، إنه جوهر الحياة والصحة والسعادة والحرية"([viii]) وتركز المستويات الأولى من برامج الماكروبيوتيك على التطبيقات المتعلقة بالغذاء ومن خلالها تسرب مفاهيم الطاقة الكونية وثنائية (الين يانغ) وما يتعلق بذلك من اعتماد خصائص ميتافيزيقية للأطعمة مبنية على متعلقات هذه الفلسفة الباطنية القديمة فقد كان معروفًا قديمًا ضمن "علم الفلاحة" الحديث عن خواص النبات وروحانيته ومشاكلتها لروحانية الكواكب والهياكل المستعملة لذلك مما هو داخل في باب السحر؛ لذا أخذ المسلمون من هذا العلم مايتعلق بزرعه وغرسه وعلاجه وأعرضوا عن الكلام الآخر([ix])، واليوم تبعث هذه الفلسفات في برامج الحركة وتروج على أنها علم وهي عقائد باطنية تبناها في الشرق أصحاب "بوذية زن" وضمنت فلسفتها لبرامج الماكروبيوتيك مع برنامج غذائي كامل مبني تُجتنب فيه المنتجات الحيوانية من اللحوم والألبان والعسل ! وفي المستويات الأعلى من برامج الماكروبيوتيك التدريبية تقدم الفلسفة الباطنية بشمولها وتطبيقاتها في كل مجال الحياة بحيث يتحدد نوع الغذاء ومكان السكن ونوع الملبس والبرنامج اليومي وطريقة تصميم المنـزل وغيرها بطريقة تعتمد فلسفة الطاقة الكونية وكيفية استجلابها لتحقيق الصحة والسعادة([x]) .






منقول من مقالات د-فوذ كردى
([i]) تسمى الطاقة الكونية في كثير من الأدبيات الشرقية النفَس Breath فهي تمثل النفس الذي يحفظ حياة الكون، ولأن التنفس من أهم طرق استمداها،ينظر:
-Taoism:Growth of a Religion:7 –Isabelle Robinet
Historical Dictionary of New Age Movements ,Michael York:p152.-
ولمراجعة التنفس وفلسفته بطريقة عرض باطنية تناسب الثقافة الإسلامية يراجع كتاب "التنفس أسلوب لحياة جديدة "، تأليف جوديت كرافيتز، ترجمة وإعداد : نورة الشهيل.
([ii]) دليل المستخدم لفن التنويم ، صلاح الراشد ، ص25.
([iii]) الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، 2/ 781.
([iv]) من مذكرة البرنامج التدريبي ( ستة أيام في بيت السلام) مريم نور، ص84-85.
([v]) ولمعرفة أكثر تفصيلا عن حقيقة البرمجة اللغوية العصبية، يراجع :
-New Age encyclopedia Belinda Whitworth, p.160
Historical Dictionary of New Age Movements ,Michael York:p.13-
-Christian Responses to the New Age Movement, John A. Saliba, p.12
([vi]) ينظر على سبيل المثال تقرير علم النفس السريري بجامعة شفيلد:
-Hypnosis,Michael Heap,p:268-280
([vii]) في العالم الإسلامي تبنى برنامج البرمجة اللغوية العصبية كثير من أهل الدعوة وحرصوا على تنقيتها والوقوف عند ما يحويه برنامجها بمستوياته المتعددة من نظريات وتمارين لا تتعارض مع مبادئ الدين، ولكنها محاولات لم تسلم من تقديم خير فيه دخن، والأخطر أنها فتحت باباً للشر دخلت منه أنواع التطبيقات الأخرى التي حرصت حركة العصر الجديد على جعلها منظومة متكاملة ومألوفة لمن يضع قدمه في مستوياتها الأولى من أي برنامج .
([viii]) مذكرة البرنامج التدريبي ( ستة أيام في بيت السلام) مريم نور، ص8.
([ix]) ينظر: المقدمة لابن خلدون: 465 .
([x]) لمعرفة تفاصيل أكثر عن الماكروبيوتيك كبرنامج وممارسة يمكن مراجعة كتب الماكروبيوتيك لأسامة مأمون، والماكروبيوتيك للعلاج للتركي، مع التنبه لكونها تحاول حذف وإضافة في المفاهيم والتطبيقات للتقريب بينها وبين الثقافة الإسلامية. وفي كتاب "المعجم التاريخي لحركات العصر الجديد " لمايكل يورك بيان للماكروبيوتيك كما هو عند حركة النيو -إييج ، ينظر:
Historical Dictionary of New Age Movements ,Michael York:p:139.
([i]) ينظر: -"The Implications of New Age Thought for the Quest for Truth: A Historical Perspective", Horn, p.56
([ii]) بمراجعة قوائم الدورات والبرامج المقدمة من معهد (إيسالن) ومن مؤسسة (فايند هورن) ومن كثير من مراكز التدريب الجديدة في العالم الإسلامي وأشهرها (مراكز الراشد) يتضح كيف تسوق الحركة برامجها عالميا وبنفس الأسماء .
([iii]) ومن ذلك إنشاء جامعة للعلوم الباطنية بالولايات المتحدة الأمريكية اسمها "أمريكان باسفيك" American Pacific تمنح درجة البكالوريوس والدكتوراه في التخصصات التالية: السحر وتشريح الروح والمانترا وتانترا التبت والرمل والكهانة والعرافة والماكروبيوتيك والبرمجة اللغوية العصبية والطاقة والريكي والتاي شي والفونغ شوي! ينظر: موقع الجامعة الإلكتروني: www.ampac.edu. وتجمع هذه التخصصات كل ماعرفته البشرية من الوثنية والدخل والشرك والكفر والإلحاد، ويشرف عليها كبار "النيو إيجرز".
([iv]) ينظر: Perspectives on the New Age, James R. Lewis & J. Gordon Melton
([v]) من المسلََّم به أن التدريب يعد اليوم جزء من متطلبات الحياة المعاصرة، حيث تهتم أغلب المؤسسات المهنية والتعليمية وغيرها بتدريب كوادرها ضمن خططها التنموية العامة وهو أمر مطلوب حضارياً. ولكن ينبغي الاهتمام باختيار برامج تنموية حقيقة لأن برامج التدريب التي تنتجها الحركة تندس ضمن دورات التنمية البشرية، وقد تبدو في ظاهرها وقالبها العام حيوية الطابع وتحت أسماء مجملة لا تفصح عن حقيقتها نحو : تطوير الذات والهندسة النفسية والتفكير الإيجابي والبرمجة اللغوية العصبية واستراتيجيات العقل والطاقة البشرية وطاقة الألوان ونحو هذا، وباطن هذه الدورات فكرا غنوصيًا ملحدًا يدعو بطرق خفية للاستغناء عن الإله. وللأسف فقد زعم أفراد ممن فتنوا بهذه الدورات وبنوا عليها تجارتهم أنهم عزلوا الباطل فيها عن الحق! وانطلقوا يروجون لها تحت سحابة من النصوص القرآنية والحديثية فانتشرت بين عموم المسلمين وسرّبت كثير من مبادئ الحركة ومعتقداتها إليهم .
([vi]) لا يمكن فهم فلسفة الطاقة ومعرفة أبعادها العقدية ولوازمها إلا بدراسة أصول الديانة الطاوية من مراجعها الأجنبية، ومراجع حركة العصر الجديد التي تتناول أصل الفلسفة، ولعل هذا سبب رئيس في خفاء الأمر والتباسه على كثير من المدربين المسلمين حيث تعرض في الكتب العربية على أنها علم وصل إليه الشرقيون بتجاربهم وخبراتهم المتوارثة! ينظر : -The Tao of the west:31-J.Jclarke - New Age Spirituality :An Assessment:150 –edited by:Duncan S.Ferguson
([vii]) الوجوه الأربعة للطاقة، رفاه وجمان السيد ص:61.
([viii]) ينظر : الطاقة الخفية والحاسة السادسة لشفيق رضوان :142
([ix]) ينظر : الريكي للمبتدئين لديفيد فيلنس :30. وطاقة الكون بين يديك لمها نمور:120.
([x]) لمراجعة كيفية عرض فلسفة الطاقة عند المدربين المسلمين ينظر: مذكرات دورات الطاقة والتشي كونغ لحسن البشل، ومذكرات دورات الريكي لطلال خياط، مبادئ العلاج بالطاقة الحيوية لعبدالتواب حسين، الشفاء بالطاقة الحيوية لأحمد توفيق،والاستشفاء بالطاقة الحيوية والفونغ شوي والوجوه الأربعة للطاقة لرفاه وجمان السيد، علاج الأمراض بالأحجار لزكريا هميمي، وطاقة الكون بين يديك لمها نمور، الوجوه الأربعة للطاقة لرفاه السيد.
([i]) مجموع فتاوى ابن تيمية : 3/94.
([ii]) ينظر: Christian Responses to the New Age Movement, By John A. Saliba, p:12
([iii]) ينظر:تاريخ الفلسفة اليونانية ليوسف كرم:290، وموسوعة الفلسفة لعبد الرحمن بدوي :1/271، وتاريخ الفكر الفلسفي عند العرب : 103
([iv]) ينظر:منو اسمرتي تعريب إحسان حقي: 686، والمعجم الفلسفي لصليبا:1/346، وتناسخ الأرواح لمحمد الخطيب : 14-29
([v]) منهم طوائف الفلاسفة والحلولية والرافضة، ينظر: "الفرق بين الفرق" للبغدادي: 240
([vi]) ينظر: -Sourcebook of the World's Religions: An Interfaith Guide to Religion and Spirituality Beversluis, Joel D
([vii]) تتبنى الحركة فلسفة تقسيم العقل إلى عقل واع وعقل لاواعي ( باطن)، وتنسب للعقل الباطن (اللاواعي) خوارق وقدرات لا متناهية إذ هو المنفذ في اعتقادهم إلى العقل الكلي واللاوعي الجمعي. ينظر : قوة عقلك الباطن لميرفي ص20.وينظر تبني نفس الفكر للمتأثرين بفكر الحركة المفتونين بها في كتاب آفاق بلاحدود للتكريتي ص207، والإيمان وإيقاظ القوى الخفية لتوفيق الواعي ص37.
([viii]) ينظر : -Sourcebook of the World's Religions: An Interfaith Guide to Religion and Spirituality, Joel Beversluis
([ix]) ينظر : -"The Implications of New Age Thought for the Quest for Truth: A Historical Perspective", Horn,p.78
([x]) ينظر: موسوعة الفلسفة لعبدالرحمن بدوي :ج/ 538
([xi]) ينظر : -The skeptic's Dictionary: A Collection of Strange Beliefs, Amusing Deceptions & Dangerous Delusions, Carroll, Robert.
([i]) ينظر : الغنوصية في الإسلام لهاينس هالم :6-12.
([ii]) يستعمل مصطلح "التناغم مع الطبيعة" في الفلسفة المعاصرة للدلالة معاني فضفاضة تبدأ بالدعوة إلى العودة إلى الطبيعة بالبعد عن المصنعات فيما يتعلق بالأغذية والملبس والمسكن، وتنتهي بالدعوة إلى التعري والإباحية والشذوذ بزعم أنها توجهات طبيعية لاداعي لكبتها أو تغييرها لتوافق أكثر مع الكون والطبيعة.
([iii]) وتوحيدهم بحسب سياقنا الإسلامي هو عين الكفر وهو القول بوحدة الوجود .
([iv]) ينظر: -"The Implications of New Age Thought for the Quest for Truth: A Historical Perspective", Horn,p. 32
([v]) شاع هذا المصطلح اليوم بدعم من برامج العصر الجديد، ورُوج على أنه حقيقة علمية مأخوذة من العلوم الشرقية الطبية القديمة. والحقيقة أن فكرة الطاقة الحيوية فرضية فلسفية هي فلسفة الكلي المطلق الذي تنبثق منه الموجودات وتسعد وتصح كلما اتصلت به واتحدت معه !
([vi]) ينظر:-"The Implications of New Age Thought for the Quest for Truth: A Historical Perspective", Horn,p. 35
([vii]) يروج اليوم لكتاب وبرنامج وفيلم باسم "السر"، وحقيقته بعث لمضمون طرح منذ مئة سنة مضت في عام (1906م) عندما كتب ويليم أتكنسون رئيس تحرير مجلة نيو ثوت كتابه "ذبذبات الفكر: أو قانون الجذب في عالم الفكر" Thought Vibration or the Law of Attraction in the Thought World by William Walker Atkinson الذي تضمن طرحًا باطنيًا لعقيدة الدهرية أو وحدة الوجود (Panthiesm). وهذا السر الذي يفشونه لخير البشرية اليوم – كما يزعم أنصاره – يزعمون أنه ممارسة لقانون كوني يُمكِّن الإنسان من اجتذاب كل ما يريده من الحياة والصحة، السعادة، الثروة، الحب وغير ذلك.
([viii]) ومن هذه الكنائس:Chrstian Science, Church of Religious Science, Church of Divine Science, Unity School for Chrstianity مع أن هذه المؤسسات بعيدة تمامًا عن الالتزام بالدين النصراني وطقوسه ولكن انشاءها تحت اسم الكنائس هو للحصول على التسهيلات والميزات الخاصة بالكنائس في الغرب.
([ix]) "السفر خارج الجسد" هو عنوان برنامج يُدرّب عليه اليوم ضمن برامج حركة العصر الجديد، ويحكي رواده ما وصلوا إليه من لذّات الروح في تجوالهم خارج أجسادهم بينما هم يرون أجسادهم قابعة حيث تركوها ! ينظر: التدريب على السفر خارج الجسد لإحدى المدربات على موقعها: www.mhahashem.com
([x]) وكذلك وصلت حركة الروحية الحديثة إلى العالم الإسلامي وتصدى لها أنذاك كثير من العلماء وأشهرهم الدكتور محمد محمد حسين وفضح في "كتابه الروحية الحديث" ممارساتهم وخداعهم، وبيّن مخاطر جمعياتهم وبرامجهم.
([xi]) ينظر: -"The Implications of New Age Thought for the Quest for Truth: A Historical Perspective", Horn,p. 36
([xii])
([xiii]) لفظ التناغم مع الطبيعة لفظ مجمل، ومعناه الاصطلاحي المراد في الفلسفة الباطنية سبق بيانه فينبغي التنبه له.
([xiv]) ينظر:"مفتاح الثيوصوفيا" لبلافاتسكي:4.دراسة منشورة على موقع معابر.
([xv]) ينظر : "تحقيق ماللهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة" للبيروني : 24
([xvi]) قد يكون من المناسب أن يُسمى"دين إبليس"، لأنه الطريقة التي ضلل بها الناس على امتداد الزمان عن الحق، وزين لهم تحريف كتبهم بتأويلها وادعاء بواطن وأسرار كامنة وراء نصوصها، فهكذا صرف كثيراً من النصارى عن أصل دينهم فتكونت الغنوصية النصرانية، وصرف بها طوائف من اليهود فتكونت القبالة الباطنية، وكذا انطلت الحيلة على فئام من أمة الإسلام فتكونت الفرق الباطنية المنتسبة للإسلام وهو منها براء. واليوم وفي عصر العولمة وثورة الاتصالات يرسل إبليس رسله مضللين للبشرية بصور متجددة منها برامج التدريب والتطبيب لحركة العصر الجديد .
([xvii]) الحكمة الإلهية ومبادئها الأساسية الثلاثة "مدخل إلى دراسة العقيدة السرية " ديمتري أفييرينوس ، منشورات موقع معابر ، ص5 .
([xviii]) ينظر : The skeptic's Dictionary, Robert Carroll :p.376-
وأسياد الأخوية البيضاء العالمية – كما يعتقد المؤمنون بهم- تجسدات لأرواح أنبياء أو حكماء سابقين! فهم في نظر أتباعهم مجموعة من البشر المتطورين الذين بلغوا كمال الحياة الأرضية وطوَّروا في أنفسهم قدرات وملكات معرفية خارقة ، وهم يوجهّون العالم طبقًا لخطة إلهية، بحكمة ودراية لانهائيتين. ينظر: الحكمة الإلهية ومبادئها الأساسية الثلاثة "مدخل إلى دراسة العقيدة السرية" لديمتري أفييرينوس، منشورات موقع معابر، ص16.والموقع الرسمي لجمعية الثيوصوفي: www.theosociety.org
([xix]) يستخدم هذا المصطلح للدلالة على معتقدات الأديان السماوية القائمة على التلقي والتي لا يقتنع بها العقل، وهو أمر واقع في كثير من معتقدات الأديان المحرفة التي عرفها الثيوصوفيون، بينما عقيدة الدين الإسلامي مبرهنة يطمئن لها العقل لعدم تضادها معه في شيء، وثبوت صدق مبلغها صلى الله عليه وسلم .
([xx]) يقصد بهم أجيال الشباب الذين ظهر فيهم الضياع التام والتيه والبعد عن بقايا الدين المحرف، وقد كان هؤلاء سمة على شباب أمريكا في القرن العشرين وأشهرهم الهييبز والبنكس.
([xxi]) ينظر: -"The Implications of New Age Thought for the Quest for Truth: A Historical Perspective", Horn,p. 36
([xxii]) وقد تنبه رجال الدين النصارى لخطر هذه الحركة على أساسيات دينهم المحرف ، فواجهوها منذ السبعينيات من القرن العشرين بكتابات نقدية تبين معارضة مبادئ ومعتقدات "العصر الجديد" لأبسط مبادئ النصرانية والديانات السماوية بشكل عام . ينظر:
-Christian Responses to the New Age Movement, John A. Saliba .
وفي عام 2003 م أصدر الڤاتيكان وثيقة مفصلة بيّن فيها خطورة حركة "العصر الجديد" وما تنشره من أفكار هدامة ، وعنوان الوثيقة: "A Christian reflectionon the New Age" وهي موجودة كاملة على موقع الڤاتيكان الرسمي: www.vatican.va
([xxiii])معهد إيسالن Esalen Institute of California بولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية أنشئ عام 1961م من قبل متبني الفكر الثيوصوفي وأبرز مؤسسيه: مايكل ميرفي Michael Murphy وريتشارد برايس Richard Price، وهو معهد للدراسات الباطنية يهدف إلى نشر الفكر الروحاني spirtituality ويجعله بديلاً عن الدين Religion، وقد استقطب كثيرًا من المتخصصين في مجالات متنوعة الذين يجمعهم الإيمان بإمكان ترقي الإنسان إلى مرحلة روحانية إلهية، منهم: كارل يونغ Carl Jung، وإبراهيم مازلو Abraham Maslow وغيرهم، وفي المعهد تكونت عشرات المؤسسات الخاصة لنشر فكر المعهد داخل وخارج أمريكا كحركة القدرات البشرية الكامنة وحركة الوعي ومنه خرجت حركة العصر الجديد.ينظر: الموقع الرسمي للمعهد : www.esalen.org
-"The Upstart Springs: Esalen and the Human Potential Movement", Walter T. Anderson,p.54 .
([xxiv]) يقصدون المعتقدات السماوية القائمة على التلقي كما سبق بيانه.
([xxv]) ينظر : The New Age: The History of a Movement, Drury, Nevill-
([xxvi]) ينظر: New Age and Neopagan Religions in America, Sarah M. Pike -
([xxvii]) وتم إيداع هذه الدراسات في جامعة" University of California, Santa Barbara "
([xxviii]) ينظر: - The New Age: The History of a Movement, Drury, Nevill
([xxix]) ينظر: -The Upstart Spring: Esalen and the Human Potential Movement, Walter Anderso
Esalen: America and the Religion of No-Religion, Kripal, Jeffrey John -
([xxx]) بين الغزالي هذا المنهج الباطني وفصله في فضائح الباطنية ص 15 ومابعدها ، بما يؤكد أن فكر ومنهج الباطنية قديما وحديثا له الأصول والسمات نفسها.
([xxxi]) ينظر:مجلة النيويورك تايمز في عددها الصادر في 29سبتمبر1968م ، مقالة بعنوان "المبادئ الروحية تجتذب سلالة جديدة من الملتزمين -Spiritual Concepts Drawing a Different Breed of Adherent, New York Times,september29,1986
([xxxii]) ينظر: -"The Implications of New Age Thought for the Quest for Truth: A Historical Perspective", Horn,p. 40
([xxxiii]) وقد تبين لكل دارس للباطنية قديما وحديثاً اعتمادها على أصول الفلسفة الملحدة، ينظر: فضائح الباطنية للغزالي ص13، والحركات الباطنية للخطيب ص20.
([i]) ينظر: المعجم الفلسفي :1/195.
([ii]) ينظر: المرجع نفسه :1/234.
([iii]) فضائح الباطنية للغزالي :11.
([iv]) ينظر: نشأة الفكر الفلسفي للنشار :1/186 .
([v]) قال ابن تيمية عن الفلاسفة الباطنيين : "يظنون أن كمال النفس في مجرد العلم، ويجعلون العلم الذي به تكمل النفوس، ما يعرفون هم من علم مابعد الطبيعة، ويجعلون العبادات رياضة لأخلاق النفس، حتى تستعد للعلم فتصير النفس عالما معتزلا موازيًا للعالم الموجود" مجموع فتاوى ابن تيمية : 3/94
([vi]) ينظر: الهرطقة في الغرب لرمسيس عوض : 25 ، و:
-The American Heritage dictionary of the English language, 2000.
([vii]) "المطلق" مصطلح قد يترجم في سياق إسلامي تلفيقي أو في سياق باطني بـ"الله" أو الإله . والصواب أن القائلين بالمطلق لا يؤمنون بالله ولا بإله غيره ، وإنما يؤمنون بقدم العالم ودوامه وتحولاته والمطلق الذي يؤمنون به يعدونه أصلاً انبثقت منه كل الأشياء ويسمى في الكتابات الباطنية بأسماء أخرى منها "الكلي" و"الطاو" والطاقة الكونية"و"القوة العظمى" وغير ذلك.
([viii]) يجمع الباطنيون ومن ينقل عنهم تحت اسم"الحكماء الأوائل" الأنبياء صلوات الله عليهم أو بعضهم مع من يقدسون من أشخاص كبوذا وكنفشيوس وغيرهم .
([ix]) ينظر: المعجم الفلسفي: 1/195 ، وتاريخ الفكر الفلسفي عند العرب : 102، والمعرفة الباطنية لبوريس مورافييف: 1/4 .
([x]) ينظر:الغنوصية في الإسلام لهاينس هالم:6-12. وهذا ما نشطت مؤخرًا حركة التأليف والنشر والترجمة فيه ككتب أسرار الحروف التي يُزعم أنها تكشف أسرار المستقبل وأسرار الأعداد والألوان، وكتب أصول التنجيم والسحر والطلسمات وما يسمى بالطاقة الخفية أو الحاسة السادسة وغيرها وزخرت بها أرفف المكتبات حتى في بلاد الحرمين! ولا حول ولا قوة إلا بالله.
([xi]) ينظر : فاتحة العلوم للغزالي :29 ، وتلبيس إبليس لابن الجوزي :363.
([xii]) ينظر : الغنوصية في الإسلام لهاينس هالم ص :6-12.
([xiii]) الموسوعة من إعداد الدكتور عبد المنعم الحفني: 296-298
([xiv]) ينظر: المعجم الفلسفي: 1/94 ، والمنقذ من الضلال للغزالي: 120، وأصول الفلسفة الإشراقية لمحمد أبو ريان : 119، وعقيدة الصوفية وحدة الوجود الخفية لأحمد القصير : 499
([xv]) ينظر : الفتوحات المكية : 1/140
([xvi]) ينظر : اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر للشعراني : 1/21
([xvii]) ينظر : الرسالة اللدنية للغزالي : 114
([xviii]) ينظر : اللمع في التصوف للطوسي : 457
([xix]) ينظر : الرسالة القشيرية : 82
([xx]) ينظر : مجموع فتاوى ابن تيمية : 10/169
([xxi]) ينظر : الرد على المنطقيين لابن تيمية : 510
هل أعجبك الموضوع ؟
Aucun commentaire :
Enregistrer un commentaire